القائمة الرئيسية

الصفحات


 

خطبة الجمعة 48: قضاء حوائج الناس

الخطبة الأولى:
      بسم الله الرحمان الرحيم  الحمدُ لله ، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَۖ(، )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (، )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.

       أما بعد عباد الله: موضوعُ هذه الجمعةِ – بإذن الله تعالى – هو ما انتهيت إليه في الخطبة الماضية عندما تحدثت عن المال الصالح والمرء الصالح، حيث ختمتُ الحديثَ بالتأكيدِ على أنَّ المرء الصالحَ يستعملُ مالَهُ أيضا في نفعِ غيرِهِ ومُجتمعِهِ وَبَلَدِهِ وأُمَّتِهِ الإسلامية، ومن ذلك أنه يستعملُهُ في قضاءِ حوائِجِ الناس، وهذا هوَ عنوانُ خطبةِ اليوم إن شاء الله تعالى.

          أَيُّهَا المسلمون والمسلمات: إنَّ قضاءَ حوائجِ الناسِ نِعْمَةٌ لا يعرفُ قيمتها إلاَّ من جرَّبها، لأنَّ في ذلكَ زرْعٌ للأمل والسعادة في قلوبِ الناس، وذلكَ بكشفِ كُرُباتهم، وتيسيرِ ما صَعُبَ عليهم من الحوائجِ التي هي في استطاعتك وَبِمَقدُورِك، ومُوَاساتهم في مصائبهم بما أنْعَمَ الله عليكَ من العلمِ والحكمة أوِ المالِ أوِ الصِّحَّةِ أو الجاهِ والسُّلطة وغيرِ ذلك من النعم، لأن قضاءَ حوائجِ الناسِ لا يكون بالمالِ فقط كما نعتقد، وإنما يكون بكلِّ ما أنعم الله به عليكَ وحرمَ منه غيرَكَ.

          أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ والمؤمنات: علينا أنْ نتأمَّلَ جميعا الحديثَ الذي رواه الإمامُ مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ(؛ حديثٌ جميلُ العِبارةِ عميقُ الدَّلالةِ، لو تأمَّلَهُ المسلمُ وجَعلهُ نُصْبَ عينَيْهِ دائما، لَبَحَثَ هو بِنَفْسِهِ عنْ منْ يقضي لهم حاجتهم ولَسَارَعَ لِفِعْلِ ذلكَ بما أعطاهُ الله منْ نِعَمٍ وَمِنَحٍ، دونَ أنْ ينتظرَ أن يطلُبَ الناسُ منه ذلكَ.

          عباد الله: )مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا(، أيْ من أزالَ عن مؤمن شِدَّةً ربما بسببها قد يمرضُ أو قد ينتحِرُ أوْ قد يرتكبُ جريمةً فيدخلَ إلى السجن، فيُسَخِّرُكَ الله – أنتَ – لِتُزِيحَ عنه هذا الكربَ الذي قد يكونُ دينًا لم يقدرْ على قضائه، أو مُشكلةً في عمله بِسَبَبِها أصبحَ مُهدَّدًا بالطردِ منه، أو مُشكلةً في مِرْفَقٍ عموميٍّ فَقُمتَ بِحَلِّهَا بِسُلطَتِكَ وَجاهِكَ، وهذهِ – للإشارة – وَساطةٌ محمودةٌ مادامتْ في الخيرِ وَالقصدُ منها رفعُ الظُّلمِ وإقامةُ العدل، بخلافِ الوساطة المذمومة التي يكونُ الغرضُ منها تحقيقُ الأذى للنَّاسِ وظُلمهمْ؛ فمَن نَفَّسَ عن أخيهِ المؤمنِ كُرَبَ الدنيا جزاؤُهُ أنْ يُنَفِّسَ اللهُ عنه أهوالَ يوم القيامة وكُرُبَاتها.

أيها الإخوة المؤمنون: )وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ(، أيْ سَهَّلَ وأزالَ عُسرَتَهُ بأنْ سَهَّلَ عن أخيهِ المؤمنِ قضاءَ دينهِ فلم يضغَطْ عليه، وبأن سَهَّلَ على أخيهِ المساطرَ والإجراءات الإدارِية التي قد تكونَ مُعَقَّدَةً – في بعضِ الأحيانِ – في الحدودِ التي يسمحُ بها القانون – طبعا-، لا أن يُعَقِّدَها على أخيهِ ويُعَسِّرَ عليه أمرَه؛ فَمَن يَسَّرَ علَى أخيه المُعسرِ فَجزاؤهُ عند الله يوم القيامةِ أن يُيَسِّرَ عليه الحساب.

           أُخُوَّةَ الإيمان: ) وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا(، بأنْ أوقفَ فَضِيحَةَ أخيهِ عِندهُ فلمْ يَقُمْ بِنَشْرِها بين الناسِ وَفَضْحِهِ أمام الملإِ، وَبأَنْ قضى لهُ حاجاتهِ التي قد تفرض عليه الخروجَ إلى الشارعِ ليَتَسَوَّلَ الناس، فكمْ من الناسِ فَضَحَهُم فَقرُهُمُ المُدْقِعُ فخرجَ هو وزوجتُهُ وأطفالُه للشوارعِ لِيَتَسَوَّلوا الناس؛ فَلو قمتَ بِسَتر فقرِ أخيكَ - قبل أن يخرج إلى الشارع ويفضح نفسه – فجزاؤُكَ عند الله أن يَستُرَ فضائِحَكَ وذنوبَكَ ومعاصِيكَ عن الخلائِقِ جميعا في الدنيا والآخرة، وما أحوجنا جميعا إلى ستر الله، فلا يسلمُ منَّا أحدٌ من الوُقوعِ في المعاصي والزَّلاَّتِ. فاللهم عَلِّمنا ما ينفعنا وزدنا علمًا، أقولُ ما تسمعون، وأستغفرُ الله لي ولكم ولِجميع المسلمين، آمين، والحمد لله رب العالمين.


الخطبة الثانية:
          الحمد لله الذي علمنا بسيرة المصطفى  ما لم نعلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

           أما بعد، عباد الله: إنَّ )اللَّهَ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ(، فلا تعتقدْ أنه بقضائكَ لِحوائجِ الناسِ ومُساعدتِكَ لهم أنك تصنعُ فيهم معروفا وجميلاً، بلِ اعلَمْ أنَّكَ تُقَدِّمُ الخير والمعروف لنفسكَ أولا، فَأنت الإنسانُ الضعيفُ الذي مَهْما بلغَ علمُهُ ومالُهُ وَصِحَّتُهُ وسلطانُهُ وَجَاهُهُ تبقى في حاجةٍ دائمةٍ إلى الله في الدنيا والآخرة، ولا يكون الله عونًا لعبدِهِ إلا إذا كان عونًا لأخيه المؤمن.

          أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ والمؤمنات: أختِمُ حديثي – عن هذا الموضوع – بِحَدِيثٍ عظيمٍ أخرجه الطبرانيُّ عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أن رجلًا جاء إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ أيُّ الناسِ أحبُّ إلى اللهِ؟ فقال: )أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ تعالى سرورٌ تُدخلُه على مسلمٍ: تَكشفُ عنه كربةً أو تقضي عنه دينًا أو تطردُ عنه جوعًا، ولأنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ – أحبُّ إليَّ من أن أعتكفَ في هذا المسجدِ – يعني: مسجدَ المدينةِ – شهرًا، ومن كظم غيظَه - ولو شاء أنْ يُمضيَه أمضاه- ملأَ اللهُ قلبَه يومَ القيامةِ رضًا، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يقضيَها له ثَبَّتَ اللهُ قدميه يومَ تزولُ الأقدام(.

       فاللهم ثَبِّتْ أقدامنا على الصراط واجعلنا من مفاتيحِ الخير مغاليق الشر... اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال.. اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم...

       اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد...وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.

اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل سوء وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب العالمين.

اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح....

اللهم إنَّا ندعوك في أحسن الأيام عندك وهو يوم الجمعة وفي أحبِّ البيوتِ إليك وهو بيتك الكريم ، اللهم مَنْ كان من الحاضرين  له طلبٌ فاقْضِهِ له .. ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه دينه...

اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين...

 ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار...

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

كتب الخطبة العبد الفقير إلى الله الأستاذ لعبيد محمد ياسين، خطيب مسجد الرضى بفاس وأستاذ مادة التربية الإسلامية للثانوي التأهيلي، وذلك يومه الأربعاء 22 محرم 1445ه الموافق 09 غشت 2023م.

تعليقات

التنقل السريع