القائمة الرئيسية

الصفحات

خطبة الجمعة 18: غزوة بدر الكبرى – دروس وعبر-

خطبة الجمعة 18:  غزوة بدر الكبرى – دروس وعبر-

الخطبة الأولى:      بسم الله الرحمان الرحيمالحمد لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصحَ الأمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين:

          أما بعد عباد الله: كُلَّما انْتَصَفَ شهرُ رمضان إلا وتذَكَّرنا حَدَثًا عظيما في التاريخ الإسلامي، ألا وهو حدثُ غزوة بدر الكبرى، فقد وقعتْ في السابعِ عشر منْ رمضان منَ السنة الثانية للهجرة، وهي أول غزوة في الإسلام.

          أيها الإخوة المؤمنون: قبلَ هذه الغزوةِ كان المسلمون يعيشون في اضْطِهَاد وقهْرٍ من كفار قريش، ولَمَّا أَذِنَ الله لعبادهِ بالنصرِ على عَدُوِّهم هيَّأَ لهم لذلك أسبابا، قال الله تعالى: " وَمَا اَ۬لنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اِ۬للَّهِ اِ۬لْعَزِيزِ اِ۬لْحَكِيمِ (126) " سورة آل عمران .

           أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: لا أُرِيدُ أن أخوضَ في تفاصيلِ أحداثِ هذه الغزوة لأن الحديثَ سَيَطُولُ بنا في هذا الموضوع ، ولكن سأحاولُ – باختصارٍ– أن أقِفَ بكم عند أهَمِّ ما يتعلقُ بهذه الغزوةِ المباركة ثمَّ أَخْتمَ الحديثِ عنها بما نستفيده منها من دروسٍ وعِبرٍ، إذِ الغايةُ من دراسةِ التاريخِ هو استلهامُ الدروس والعبر منه لا أن نَقِفَ فقط عند قراءةِ وسردِ الأحداث.

          أحبتي الكرام: تَعلمونَ أن المسلمينَ  عندما هاجروا إلى المدينةِ المنورة خِفْيَةً تركوا كلَّ أموالهم وممتلكاتهم في مكةَ، فَاسْتَوْلَـى  عليها كفارُ قريشٍ واستغلوها في تجارتهم، لذلك لمَّا علمَ النبيُّ بخروجِ قافلة كفار قريشٍ تحت قيادةِ أبي سفيانَ دعا المسلمينَ إلى انتهازِ هذه الفرصة من أجلِ استرجاعِ بعضٍ من ممتلكاتهم ، وهذا كان من الأسبابِ التي يسرها الله تعالى لعباده المؤمنين من أجلِ نصرِ دينه.

          لكنَّ خبرَ خروجِ المسلمين لاعتراضِ قافلةِ كفارِ قريش وصل إلى أبي سفيان، فقامَ بتغييرِ مسارِ القافلة واستنجدَ بأصحابه في مكةَ، والذين قرَّروا قتالَ النبي مُعْتَبِرِينَ ذلك فرصةً للتخلصِ منه ومن أصحابه ودينه، لأن عدد المسلمين يومها كان قليلا مقارنةً بعدد كفار قريش، فَخرجَ كُفَّارُ قريشٍ في نحوِ ألفِ مقاتِلٍ، وبعد وصولِ خبرِ ذلك إلى النبي استشار أصحابه في قتالهم ومُواجهتهم، فخافَ قِلَّةٌ منهم بحجة أن المشركين أكثرُ عَدَدًا وعُدَّةً، لكنَّ الغالبيةَ من المسلمينَ أصَرُّوا على القتالِ متَوَكِّلينَ على الله، قال الله تعالى : " اِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَٰنِ مِنكُمُۥٓ أَن تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَاۖ وَعَلَي اَ۬للَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ اِ۬لْمُومِنُونَۖ (122) " سورة آل عمران.

          أيها المؤمنون: خرجَ المسلمونَ لمواجهةِ كفار قريشٍ وعددهم لا يتجاوزُ ثَلاثَمِائةٍ وأربعةَ رَجُلاً، والتقى الفريقان في بدرٍ، فنصرَ الله دينَهُ ورسُولَهُ وعبادَه المؤمنين رَغْمَ قلَّةِ عددهم وعُدَّتِهِم مؤيِّدًا لهم بجُنْدٍ من الملائكة، قال الله تعالى: " وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اُ۬للَّهُ بِبَدْرٖ وَأَنتُمُۥٓ أَذِلَّةٞۖ فَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَۖ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُومِنِينَ أَلَنْ يَّكْفِيَكُمُۥٓ أَنْ يُّمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَٰثَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ اَ۬لْمَلَٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَۖ (124) بَل۪يٰٓ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَاتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ اَ۬لْمَلَٰٓئِكَةِ مُسَوَّمِينَۖ (125)" سورة آل عمران.

          أيها المسلمون: إن المُستفادَ من غزوةِ بدرٍ الكبرى كثيرٌ جدا، لذلكَ سأحاولُ التركيزَ على أهم الدروس والعِبر، ومنها:

- إن المسلمينَ قبلَ غزوةِ بدرٍ كانوا أذِلَّةً خائفينَ، فانتصروا في هذه الغزوة على خوفهم وأصبحوا بعدها أعِزّةً يُضْربُ لهم ألفُ حِساب، وهذا بفضلِ حُسنِ إيمانهم ويقينهم بربِّهم وتَوَكُّلهم عليه، واليومَ يعيشُ المسلمون في كل بقاع العالمِ ذُلاًّ وهوانا وضُعفًا وتخلُّفًا في كل المجالات وجوانبِ الحياة، وذلكَ بسبب قلة إيمانهم ويقينهم في الله عز وجل وابتعادهم عن دينه ومنهجه.

- نستفيدُ أيضا من نصرِ الله تعالى لعباده في غزوة بدر الكبرى، أنه إن أردنا أن ينصُرنا الله تعالى فلا بُدَّ أن نَرجِعَ إلى الله بتطبيق شريعته والالتزامِ بمنهجه، فالله تعالى لم ينصر عباده المؤمنين في بدرٍ إلا بعد أن تمكَّنَ الإيمانُ من قلوبهم وطبَّقوا دينَ الله وشريعته في كل المجالات والجوانب، قال الله تعالى: "يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ اُ۬للَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتَ اَقْدَامَكُمْۖ (8)" سورة محمد.

فاللهم وَفِّقِنا لحسنِ طاعتك وعبادتك وانفعنا بما سمعنا ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله الواحِدِ القهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مُقَلِّبِ القلوبِ والأبصار، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسولُه المُصطفى المُختارُ صلوات الله وسلامه عليه وعلى آلِهِ وصحبه، ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

          أما بعد عباد الله: إنَّ رمضانَ شهرُ الانتصارات الجسدية والنفسية، ويؤكِدُ هذا انتصارُ المسلمين في غزوة بدر الكبرى على كفار قريشٍ جسديا ونفسيا، لذلكم نحتاجُ بِدَورنا في هذا الشهر المبارك أن نُحَقِّقَ انتصارات، والانتصارُ الذي نحتاجه نحنُ اليوم إنما هو الانتصارُ على النفس أولا، فلنْ يُغيرَ الله من حالنا وواقعنا وتخلُّفِنا إلا بعدَ أن نُغَيِّرَ منْ أنفُسنا إلى الأحسن، قال الله تعالى: " إِنَّ اَ۬للَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّيٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْۖ " سورة الرعد الآية12.

          أيها الإخوة المؤمنون: علينا أن ننتصرَ – في هذا الشهر الكريم- على شهواتِ أنفسنا التي تتحكمُ فينا وتوقعُنا في المهالك والذنوب، وننتصرَ على كَسَلِنا وخمولِنا الذي يحولُ بيننا وبين الاجتهاد والإبداع، وننتصر على حُبِّنا للدنيا أكثر من حُبِّنا للآخرة، وننتصر على حَسَدِنَا وبُغْضِنا وكراهيتنا للآخَرِ حتى أصبح المسلمون في ما بينهم أعداء، وينتصرَ التُّجارُ والبَاعَةُ على جَشَعهم وطمعهم الذي يُؤدي بهم إلى الغش والنصبِ والاحتيالِ على الناس، وينتصرَ كلُّ موَظَّفٍ  ومَسؤولٍ على تَقَاعُسِه وتهاوُنهِ في عمله ومُهِمَّتِهِ وأداءِ حقوقِ الناس.

          فَاسْتَغِلُّوا – رحمكم الله -شهر رمضان من أجل تحقيق التغيير إلى الأحسنِ، اللهم أَعِنَّا على حسن الصيام والقيام وَوَفِّقنا لحُسنِ عبادتك يا رب العالمين.. اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال..

اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم... اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم ، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد...

وارض اللهم عن الخلفاء  الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.

اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.

اللهم إنَّا ندعوك في أحسن الأيام عندك وهو يوم الجمعة وفي أفضلِ الأشهر شهرِ رمضان وفي أحبِّ البيوتِ إليك وهو بيتك الكريم ، اللهم مَنْ كان من الحاضرين  له طلبٌ فاقْضِهِ له .. ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه دينه...

اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين...

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار.

 سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

كتب الخطبة العبد الفقير إلى الله الأستاذ لعبيد محمد ياسين، خطيب مسجد السنة بفاس وأستاذ مادة التربية الإسلامية للثانوي التأهيلي، وذلك يومه الأربعاء 11 رمضان 1443ه الموافق 13 أبريل 2022م.

تعليقات

التنقل السريع