القائمة الرئيسية

الصفحات


 خطبة الجمعة 21حُسنُ الظن بالله تعالى

الخطبة الأولى:
       الحمدُ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين:

        أما بعد عباد الله:  إن الـمُؤمنَ في هذه الحياة يعيش بين فرح وحزن ، وغنى وفقر ، وسعادة وشقاء ، وعافية وبلاء ، وكل ذلك بتقدير العزيز الحميد؛ والمؤمن في كل حال يُحْسِنُ الظن بالله لأنه يعلمُ أن الله لا يُقَدِّرُ شيئا إلا لحكمة وأنَّ في كل أمر خيرٌ، أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث صُهَيْبٍ بْنِ سِنَانٍ الرومي رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ( عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ).

        أيها الإخوة المؤمنون: كم نحن بحاجة إلى إحسان الظن بخالقنا سبحانهُ وتعالى، الذي هو أرحم بنا من أنفسنا بل من أمهاتنا وآبائنا، جاء في الصحيحين عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - قال: قَدِمَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِسَبْيٍ (أَسْرَى) فإذا امرأةٌ مِنَ السَّبْيِ تَسْعَى، إِذْ وَجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْزَقَتْهُ بِبَطْنِهَا فَأَرْضَعَتْهُ، فقال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَتَرَوْنَ هَذِهِ المرأةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا في النَّارِ؟» قلنا: لا واللهِ، فقال: «لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا"، فالبعض يظن أن إحسان الظن بالله هو فقط في أن الله غفور رحيم ، وأنه سبحانه سيتجاوز عنا ، وَيُدخلنا الجنة ؛ والحقيقة أن إحسان الظن بالله ينبغي أن يكون في كل شيء ، ولذلك عَرَّفَ بعضُ أهل العلم حسن الظن بالله تعالى بقولهم: " هُوَ أنْ يوقنَ العبدُ بربّه عز وجلّ خيراً ورحمةً وإحساناً في كل ما يقعُ عليه من أفعالٍ وأقدارٍ في الدنيا والآخرةوجاء في الحديث القدسي المتفق عليه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي قال القاضي عياض – رحمه الله-: قيل معناه: " بالغفران إذا اسْتَغْفَرَنِي والقَبول إذا أناب إليّ والإجابة إذا دعاني والكفاية إذا اسْتَكْفَانِي، لأن هذه الصفاتِ لا تظهر في العبد إلا إذا أحسن ظنه بالله وقَوِيَ يقينه ".

        أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ والمؤمنات: إنَّ من حسن الظن بالله، حُسنُ الظن بإجابة الدعاء، ويكون ذلك بقوة اليقين بأن الله تعالى يجيب الداعي؛ قال الله عزّ وجلّ: " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ "البقرة:185، لكن إن تأخر جوابُه فلا ينبغي للمؤمن أن يقنط من رحمة الله تعالى وكرمه وجوده؛ فإن في القنُوطِ سوءُ ظَنٍّ بالله تعالى، قال الله تعالى:  " قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ"  الحجر : 56، وقال سبحانه أيضا:  "وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ " يوسف :87.

وسوءُ الظنِّ مانعٌ من إجابة الدعاء، ففي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  " يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لي"، فإذا تأخر جَوَابُ دعوتِكَ فأَحْسِنِ الظن بالله تعالى أن يكونَ قَدِ ادَّخَرَها لك للآخرة، أو قَدّر لك ما هو خيرٌ مما دعوته؛ أخرج الإمام أحمد في مسنده بسند جيد من حديث أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ. قَالَ: اللهُ أَكْثَرُ".

فَمِنْ حُسْنِ الظن بالله تعالى أن لا يعترض الداعي على عدم تحقق المطلوب فلعل الخير له  في عدم تَحَقُّقِ مَطْلُوبِه، ولعله قد أعطي بدعوته ما هو أفضل له من مَطْلُوبِه وهو لا يشعر؛ وفي المقابل على الداعي إذا تأخرتِ استجابةُ دعوته أن يسيء الظن بنفسه، فيفتشَ نفسه لعله دعا بإثم، أو بِقِلَّةِ يقين وإخلاص، أو تَلَبَّسَ بأمرٍ مُحَرَّمٍ يمنع إجابة الدعاء كأكل الحرام.   

فاللهم اجعلنا من عبادكَ الذين يُحسنون الظن بك، آمين، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:
          الحمد لله الرحمانِ الرحيم الجوادِ الكريم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

          أما بعد عباد الله: إنَّ من حسن الظن بالله أيضا ،  ظن العبد بالله  بأن يعفو عنه ويُدْخِلَه جنته ويُنْجِيه من عذابه ؛ وهنا نُميزُ بين حالَين:

- الحال الأولى: أن يكون حسن الظن بالله في حال عافيته وصحته، فحسن الظن في هذا الحالِ ينفع صاحبه إذا صاحبه الخوف من عذاب الله تعالى، فاجتنب معاصيه وأحسن العمل بطاعته، على رجاء من الله تعالى أن يتقبل منه ؛ قال الحسن البصري – رحمه الله -: "إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل ".

- الحالُ الثانية : أن يكون العبد في حالِ انقطاعٍ من الدنيا وإقبالٍ على الآخرة، أي على فراش الموت، ففي هذه الحالِ ينبغي له أن يُغلِّب جانب حسن الظن بالله تعالى، لأن وقت العمل قد ولّى ولم يبق له إلا هذا الرجاء ؛ أخرج مسلم في صحيحه من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، يَقُولُ: ( لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ ).

        أيها الإخوة المؤمنون: إنَّ من إحسان الظن بالله، أنه إذا ابْتُلِيتَ بمرض أو مات لك حبيب أو خَسِرْتَ في تجارة، أو غيرها من الابتلاءات، أَحْسَنْتَ الظن بربك فلم تَلُمْهُ على قدره، ولم تَجْزَعْ لمصيبتك، وقُلتَ قدَّرَ الله وما شاء فعل .

فاللهم ارزُقنا حُسنَ الظن بك وحُسنَ العملِ لك... اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال..

اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم... اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم ، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد...

وارض اللهم عن الخلفاء  الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.

اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.

اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل سوء وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب العالمين.

اللهم إنَّا ندعوك في أحسن الأيام عندك وهو يوم الجمعة وفي أحبِّ البيوتِ إليك وهو بيتك الكريم ، اللهم مَنْ كان من الحاضرين  له طلبٌ فاقْضِهِ له .. ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه دينه...

اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين...

 ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار... سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

كتب الخطبة العبد الفقير إلى الله الأستاذ لعبيد محمد ياسين، خطيب مسجد السنة بفاس وأستاذ مادة التربية الإسلامية للثانوي التأهيلي، وذلك يومه الخميس 11 شوال 1443ه الموافق 12 ماي 2022م.

تعليقات

التنقل السريع