القائمة الرئيسية

الصفحات


 

خطبة الجمعة 20وداعُ رمضان وزكاة الفطر


الخطبة الأولى:
       الحمدُ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين:

        أما بعد عباد الله:  ها نحنُ على مشارفِ نهاية شهر رمضان، هذا الشهرُ الكريمُ الذي يجدُ فيه المؤمن راحة وطمأنينة غريبة عجيبة، لا يكادُ يجدها في باقي الأيام والشهور الأخرى.

        أيها الإخوة المؤمنون: كيفَ لا يجدُ المؤمن هذه الراحة والطمأنينة النفسية، وهو يُحقق في هذا الشهر الكريم تقوى الله والتقربَ منه سبحانه وتعالى، وهذا أهم درسٍ استفدناه من مدرسة الصيام، ألا وهو أن راحة المؤمن وطمأنينةَ قلبِه وسعادتَهُ لا تكون إلا بتقوى الله وفي الامتثال لأوامره واجتناب نواهيه، قال الله تعالى في سورة البقرة: " يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ اُ۬لصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَي اَ۬لذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (182) أَيَّاماٗ مَّعْدُودَٰتٖۖ"  

        أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ والمؤمنات: إنَّ رمضانَ مدرسةٌ تَعَلَّمْنَا فيها جملةً من الدروس والقيم التي ينبغي أن تبقى مُصاحبةً لنا حتى بعد رمضان، فهذا الشهر الكريم – كما قلنا في خُطبٍ سابقة- هو فرصةٌ للتغيير إلى الأحسن، وهذا لا يتأتى – أخي المؤمن أختي المؤمنة – إلا بالاستفادة من رمضان ومحاولةِ البقاء على نفس النهج والطريق ولو بدرجة أقل مما كان عليه الإنسانُ في رمضان؛ لأنه من الصعب جدا أن يبقى المؤمن بعد رمضان على نفس النهجِ الذي كان عليه في رمضان – وإن كان هذا أمرٌ يتمناه كل مؤمن صادق-، فرمضانُ له خصوصيتُه وأجواؤه الإيمانية الخاصة به والتي تميزه عن باقي الشهور الأخرى، لكن لا ينبغي أن يخرجَ المؤمن خاويَ الوِفاض من مدرسة الصيام لم يتعلم ولم يستفد منها شيئا.

        عباد الله: ماذا استفدنا من مدرسة الصيام من دروسٍ وقيم ينبغي أن تبقى مصاحبة لنا حتى بعد رمضان؟

- لو كنت - أخي المؤمن أختي المؤمنة- قبل رمضان هذا لا تصوم أبدا ولو يوما واحدا في الشهر، فَحَرِيٌّ بك بعد رمضان الذي حرِصت على صوم كل أيامه، أن تُخصِّصَ بعض الأيام في الشهر للصيام، كصيام يومي الإثنين أو الخميس أو صيام أيام البيض من كل شهر.

- وإن كنت قبل رمضانَ هذا لا تقرأ القرآن ولا تفتحُ المُصحفَ بالمرَّة، وفي هذا الشهر ربما قد وُفِّقْتَ لأن تختم كتابَ الله أكثر من مرة، فينبغي أن تحرصَ بعد رمضان أن تختم القرآن الكريم ولو مرة واحدة في الشهر.

- وكذلك عليك أن تحرصَ بعد رمضان على المواظبة على أداء الصلوات الخمس في أوقاتها ومع الجماعة كما كنت تفعلُ في رمضان، وأن تقومَ الليل ولو بركعتين خاشعتين وأنت الذي كنت في رمضان تقوم الليل بعدة ركعات.

- وعليك أن تحرص أيضا على مراقبة الله في كل أعمالك صغيرها وكبيرها، فقد كنت في رمضان تمتنع عن سائر المفطرات وقد كان بإمكانك أن تأكل وتشربَ ولا يراك أحدٌ إلا اللهَ سببحانه وتعالى.

- وعليك أن تحرصَ - أخي المؤمن أختي المؤمنة-  بعد رمضان على الصدقة وفعلِ الخير ولو بأقلِّ القليل وتُحِسَّ بالفقراء والمحتاجين، كما كنت تحس بهم في هذا الشهر الكريم.

- وأن تحرصَ أيضا بعد رمضان على التزاور مع الأقارب والأصحاب وعلى صلة الأرحامِ، وألا تنشغل عنهم بالدنيا وفِتَنِهَا، كما كنت تحرصُ على هذا الأمر في رمضان.

- وعليك أن تحرص أيضا على تجنب الخِصام والجدال مع الناس، لأنه قد تعلمت من رمضان ضبط النفس والتحكمَ في انفعالاتك وغضبك.

- وأن تحرصَ كذلك على تجنُّبِ الكذب وشهادة الزور وخيانةِ الأمانات والمسؤوليات، لأنه قد امتنعتَ عن هذا في رمضان حتى يكونَ صيامُك صياما حقيقيا ليقبلَه الله منك.

- وينبغي أيضا أن تحرصَ بعد رمضان على تنظيم وقتك واستغلالِه في ما يُرضي الله وينفع الناس، فقد تعلمت في رمضان على أن تستثمر وقتك في ما يحقق الطاعة لله وينفع عباده.

فاللهم ثَبِّتْنَا على الاستقامة على دينك في رمضان وبعده، آمين، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:
          الحمد لله الرحمانِ الرحيم الجوادِ الكريم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

          أما بعد عباد الله: لقدْ صدرت فتوى من المجلس العلميِّ الأعلى بالمغرب – والذي يضمُّ كبار العلماء والفقهاء في هذا البلد – على أن المؤمن الصائمَ لشهر رمضانَ له الاختيارُ بين أن يُخرجَ زكاة الفطر إمَّا كيلا من غالبِ قوتِ أهل البلد، ومقدارها صاعٌ نبويٌّ عن كل نَفْسٍ، وهو أربعة أمداد بمُدِّ النبي ، ويُعادلُها اليومَ بالوزن كيلوغرامان ونصف ( 2.5 كلغ) من الحبوب أو الدقيق؛ أوْ له الاختيارُ أن يُخرجها نقدا وقد حُدِّدَتْ قيمتُها هذه السنة في عشرين درهما ( 20 درهما) ؛ وأنه يجوز إخراجها قبل العيد بثلاثة أيام.

        أيها الإخوة المؤمنون: انطلاقا من هذه الفتوى أُوَضِّحُ نقطتين من أجل إزالة الغموض عنهما، فأما النقطة الأولى فهي أنه مادام أن المجلس العلمي الأعلى - والذي يضُمُّ كما قلنا كبار فقهاءِ وعلماءِ هذا البلد – قد أصدر فتوى بجواز إخراج زكاة الفطر نقدا، فلا داعيَ إذن للنقاش العقيم الذي يطرحه بعض الناس في كل عام وهو أنُخرِجُ زكاة الفطر كيلا أم نقدا؟؛ أنت لك الاختيارُ بين الأمرين وكلاهما له مستنده الشرعي وليس اجتهادا مجردا من الدليل، واستفتِ قلبك، وما اطمأنَّتِ إليه نفسك قُمْ به، لكن لا تُعاتِب ولا تجادل من قام بعكسك، وإن شاء الله فسواء من أخرجها كيلا أو من أخرجها نقدا سيتقبلها الله منه فقط ينبغي إخراجُها من دن رياءٍ خالصةً لوجه الله تعالى.

وأما النقطة الثانية فهي المتعلقة بتحديد مقدار الزكاة في كيلوغرامين من الحبوب أو الدقيق أو في عشرين درهما لمن سيُخرجها نقدا، فهنا نوضِّحُ على أن هذا هو الحدُّ الأدنى الذي ينبغي أن تُخرجه، وإلا فيجوز لك - أخي المؤمن وأختي المؤمنة- إخراجُها بزيادة عن هذا الحد، فمن تطوع خيرا فهو خير له.

فاللهم أَعِنَّا على حسن الصيام والقيام وَوَفِّقنا لحُسنِ عبادتك يا رب العالمين.. اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال..

اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم... اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم ، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد...وارض اللهم عن الخلفاء  الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.

اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.

اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل سوء وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب العالمين.

اللهم إنَّا ندعوك في أحسن الأيام عندك وهو يوم الجمعة وفي أفضلِ الأشهر شهرِ رمضان وفي أحبِّ البيوتِ إليك وهو بيتك الكريم ، اللهم مَنْ كان من الحاضرين  له طلبٌ فاقْضِهِ له .. ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه دينه...

اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين... ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار... سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

كتب الخطبة العبد الفقير إلى الله الأستاذ لعبيد محمد ياسين، خطيب مسجد السنة بفاس وأستاذ مادة التربية الإسلامية للثانوي التأهيلي، وذلك يومه الخميس 26 رمضان 1443ه الموافق 28 أبريل 2022م.


تعليقات

التنقل السريع