القائمة الرئيسية

الصفحات


 

خطبة الجمعة 30عِبَرٌ وعِظَاتٌ من حَرِّ الصَّيْف

الخطبة الأولى:
       الحمدُ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَۖ (، ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (،  )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.

     أما بعد عباد الله: نعيشُ في هذه الأيامِ أشدَّ أيامِ الصَّيْفِ حرارةً، حرارةٌ شديدةٌ يعاني منها الناسُ صغيرُهم وكبيرُهم غَنِيُّهمْ وفقيرهم؛ وإنَّ المؤمنَ ينبغي أن يعيشَ حياتَه دائمَ التَّفَكُّرِ والنَّظَرِ والاعتبارِ بِسُنَنِ الله الكونية؛ فعندما يتفكر المؤمنُ في تَقَلُّبِ الليلِ والنهارِ، والأيامِ والشُّهُورِ والأعوامِ، والصيف والخريفِ والشِّتاءِ والربيع، والبَرْدِ والحَرِّ، فإنه يؤدي عبادةً عظيمةً يُؤْجَرُ عليها وَيَخْرُجُ منها بفوائدَ جليلةٍ ودورسٍ وعبرٍ وعظاتٍ عظيمةٍ تُفِيدُهُ في دُنْيَاهُ وآخرتِه.

       أيها الإخوة المؤمنون: إن التفكر والتدبر في ملكوتِ الله وسُنَنِهِ الكونية من صفاتِ أولي الأبصارِ والألبابِ والعقولِ النَّيِّرَة؛ قال الله تعالى في سورة النور: )يُقَلِّبُ اُ۬للَّهُ اُ۬ليْلَ وَالنَّهَارَۖ إِنَّ فِے ذَٰلِكَ لَعِبْرَةٗ لِّأُوْلِے اِ۬لَابْصٰ۪رِۖ  (الآية42، وقال سبحانه أيضا في سورة آل عمران: )اِنَّ فِے خَلْقِ اِ۬لسَّمَٰوَٰتِ وَالَارْضِ وَاخْتِلَٰفِ اِ۬ليْلِ وَالنَّه۪ارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِے اِ۬لَالْبَٰبِ اِ۬لذِينَ يَذْكُرُونَ اَ۬للَّهَ قِيَٰماٗ وَقُعُوداٗ وَعَلَيٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِے خَلْقِ اِ۬لسَّمَٰوَٰتِ وَالَارْضِۖ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَٰطِلاٗ سُبْحَٰنَكَۖ فَقِنَا عَذَابَ اَ۬لنّ۪ارِۖ (الآيتان 190-191.

      أيها المؤمنون والمؤمنات: إنَّ تَفَكُّرَنا في حَرِّ الصيف الذي نعيشه يُذَكِّرُنا بِمَوْقِفَيْنِ عظيمَين:

* أَوَّلُهُما: حَرُّ موقفِ يوم القيامة؛ ذلك اليومُ العظيم الذي تقتربُ فيه الشمسُ من الخلائقِ، فيتصَبَّبُونَ عَرَقًا على قَدْرِ أعمالهم، أخرج الإمامُ مسلمٌ في صحيحه عنِ المِقدادِ بنِ عمروٍ بنِ الأسودِ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ) تُدْنَى الشَّمْسُ يَومَ القِيامَةِ مِنَ الخَلْقِ، حتَّى تَكُونَ منهمْ كَمِقْدارِ مِيلٍ -قالَ سُلَيْمُ بنُ عامِرٍ ( وهو التابعي الذي روى الحديث عن المقداد): فَواللَّهِ ما أدْرِي ما يَعْنِي بالمِيلِ؛ أَمَسافَةَ الأرْضِ، أَمِ المِيلَ الذي تُكْتَحَلُ به العَيْنُ (مقدارُ أُصْبُع)؟- قالَ: فَيَكونُ النَّاسُ علَى قَدْرِ أعْمالِهِمْ في العَرَقِ؛ فَمِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى كَعْبَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى رُكْبَتَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى حَقْوَيْهِ –أيْ خَاصِرَتَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يُلْجِمُهُ العَرَقُ إلْجامًا. قالَ: وأَشارَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بيَدِهِ إلى فِيهِ(.

* ثانيهما: شِدَّةُ حَرِّ نارِ جَهَنَّم؛ فهذه الحرارةُ التي نعيشُهَا ما هي إلا نَفَسُ جَهَنَّمَ والعياذُ بالله، أخرج الإمامان البخاري ومسلم في صَحِيحَيْهمَا عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: )اشْتَكَتِ النَّارُ إلى رَبِّهَا فَقالَتْ: رَبِّ أكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فأذِنَ لَهَا بنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ في الشِّتَاءِ ونَفَسٍ في الصَّيْفِ، فأشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وأَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ(، وأخرجَ الإمامُ البخاري في صَحِيحِهِ عن أبي هُريرة رضي الله عنه أنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: ) نَارُكُمْ – أيْ نارُ الدنيا - جُزْءٌ مِن سَبْعِينَ جُزْءًا مِن نَارِ جَهَنَّمَ، قيلَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، قالَ: فُضِّلَتْ عليهنَّ بتِسْعَةٍ وسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا(؛ فمعنى الحديث أن نارَ الدنيا تُضْرَبُ في سَبْعِين، أيْ مجموعُ نارِ الدنيا التي يُوقِدُها الناس لطعامهم وشرابهم والتي يستعملونها بالمصانعِ والمعاملِ وفي الحروبِ..، لو اجتمعتْ منذُ أن خلقَ الله النارَ حتى يومِ القيامة لا تُمثِّلُ إلا جزءا من سبعين جزءا من نارِ جهنمَ يومِ القيامة؛ فاللهم إنا نسألك السلامة في الدنيا والآخرة، نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين وبحديث سيِّدِ الأوَّلينَ والآخِرِين، وغفرَ الله لي ولكم ولِسائرِ المسلمين، آمين، و الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:
         الحَمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، والعَاقِبةُ لِلْمُتَّقينَ، ولَا عُدْوانَ إلَّا عَلَى الظَّالِمينَ، أَحمَدُه تَعَالَى حَمْدَ الشَّاكرينَ، وأستَغفِرُه استِغفَارَ المُنيبِينَ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لَا شَريكَ لهُ، إِلَهُ الأوَّلينَ والآخِرِينَ، وَقَيُّومُ يومِ الدِّينِ، وأَشهدُ أنَّ سيدنا مُحمدًا الأَمِينَ عبدُه ورسولُه إلى العَالَمينَ، صَلواتُ اللهِ وسلامُه عَلْيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحبِه والتَّابعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ.

          أما بعد، عباد الله: لنْ يَنْجوَ من حَرِّ  موقفِ يومِ القيامة إلاَّ مَنْ أَظَلَّهُ الله في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهٌ، وهذا لنْ  يَظْفَرَ به إلاَّ مَنِ اتَّصَفَ بإِحْدَى أوصافِ السبعة الذي ذكرهمُ النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إمَامٌ عَدْلٌ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ فَقالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ(.

       أخوة الإيمان: إنَّ النَّجاةَ من حَرِّ نارِ جهنمَ لَنْ يكونَ إلا بالإيمانِ أولاً بالله عز وجلَّ والإخلاصِ في عبادته، وثانيا باتباع سُنَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم في القيامِ بالأعمال الصالحة المشروعة من عباداتٍ ومعاملاتٍ، وثالثا بِحُسنِ التعاملِ مع الناسِ بمكارمِ الأخلاقِ، ورابعا بحُسْنِ شُكرِ الله على نِعَمِهِ والرضا بقضائه وقَدَرِه، وخامسا بالصبر على طاعةِ الله والصبرِ عن معصيةِ الله والاِبتعادِ عن كل الفِتَنِ والفواحشِ ما ظهرَ منها وما بطن.  

فاللهم وَفِّقْنا لِحُسْنِ طاعتك وعبادتك ... اللهم إنَّا نسألك الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قول وعمل ونعوذُ بك اللهم من النَّارِ وما قَرَّبَ إليها من قولٍ وعمل ... اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال..

اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم... اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد...

وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.

اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.

اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل سوء وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب العالمين.

اللهم إنَّا ندعوك في أحسن الأيام عندك وهو يوم الجمعة وفي أحبِّ البيوتِ إليك وهو بيتك الكريم، اللهم مَنْ كان من الحاضرين  له طلبٌ فاقْضِهِ له .. ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه دينه...

اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين...

 ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار... سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

كتب الخطبة العبد الفقير إلى الله الأستاذ لعبيد محمد ياسين، خطيب مسجد السنة بفاس وأستاذ مادة التربية الإسلامية للثانوي التأهيلي، وذلك يومه الأربعاء 20 ذو الحجة 1443ه الموافق 20 يوليوز 2022م.


تعليقات

التنقل السريع