القائمة الرئيسية

الصفحات


 

خطبة الجمعة 29: حق البيئة في الإسلام          

الخطبة الأولى:
       الحمدُ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَۖ (، ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (،  )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.

     أما بعد عباد الله: إنَّ الخبراءَ اليومَ يَدُقُّونَ نَاقُوسَ الخطرِ ويُوَجِّهُونَ النِّدَاءاتِ لِوَقْفِ استِنْزَافِ البيئة وَتَدْميرِها، فَمُشكلِةُ تلويثِ البيئة وتدميرِها أصبحَ يُهَدِّدُ الحياةَ على كوكبِ الأرضِ بِفِعْلِ الإنسانِ المُتَحَضِّرِ فيها؛ وما شاهدناهُ في هذه الأيام الماضية، أيامِ العيدِ والتي قبلها لَخيْرُ دليلٍ على ما نقول (رَمْيُ الأزبالِ والنِّفاياتِ في الطُّرُقات – تركُ بَقَايَا ما كان يُبَاعُ في هذه المناسبة في مكانه... وغيرُ ذلكَ كثيرٍ من صورِ تلويثِ البيئة والإفسادِ فيها).

       أيها الإخوة المؤمنون: لقدْ أمرنا الله عز وجلَّ بالمُحافظةِ والعنايةِ بالبيئة التي سَخَّرها لنا ونَهَانَا عن الإفساد فيها وتدميرها؛ قال الله تعالى في سورة الأعراف: )وَلَا تُفْسِدُواْ فِے اِ۬لَارْضِ بَعْدَ إِصْلَٰحِهَا (الآية55، وقال سبحانه أيضا في سورة البقرة: )كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اِ۬للَّهِۖ وَلَا تَعْثَوْاْ فِے اِ۬لَارْضِ مُفْسِدِينَۖ (الآية59.

      أيها المؤمنون والمؤمنات: إنَّ البيئةَ معناها كلُّ ما خَلَقَهُ الله تعالى على هذه الأرضِ ليَسْتَفيدَ منه الإنسانُ، من هواءٍ نقيٍّ وماءٍ عَذْبٍ ومناطِقَ خضراءَ كالمناطقِ الجبلية والغاباتِ..؛ وإن الله تعالى خلق الإنسان وجَعَلهُ خليفةً له في الأرض لِيَعمُرَهَا بالخيرِ والصلاح لاَ أنْ يُفْسِدَ فيها كما تَخَوَّفَتْ من ذلك الملائكة، قال الله تعالى في سورة البقرة: )وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّے جَاعِلٞ فِے اِ۬لَارْضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُّفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ اُ۬لدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيَ أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَۖ (الآية29.

      أيها المسلمون والمسلمات: لِتَحْقِيقِ أمانةِ الاستخلافِ ينبغي المُحافظةُ على البيئة وتجنُّبُ تدميرِها، لذلك يتوجَّبُ على المؤمنِ الاِلْتِزَامُ بالضوابط الشرعية في التعاملِ مع البيئة، ومن هذه الضوابط ما يلي:

- الاِبتعادُ عن الإسرافِ والتبذيرِ بكلِّ أنواعه وأشكاله؛ قال الله تعالى في سورة الأعراف: )يَٰبَنِےٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٖ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلَا تُسْرِفُوٓاْۖ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ اُ۬لْمُسْرِفِينَۖ( الآية 29، وَرَوَى الإمام أحمدُ وابنُ ماجة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ : )مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ ؟ قَالَ : أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ (.

- اَلحِرْصُ على نظافةِ بُيُوتِنا وشوارعِنَا وحدائِقِنا وغاباتِنا وَشَوَاطِئِنَا وَمُدُنِنَا وإزالةِ الأذى والضرر عَنْهَا، روى الإمامُ مسلم عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ )الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ(؛ فالحديثُ يُقرِّرُ على أنَّ مِنْ شُعَبِ الإيمان إِزَالَةُ الأذى والضرر عن الطريقِ.

- القيامُ بالتشجيرِ وزرعِ النباتاتِ والأغراسِ، روى الإمام أحمدُ والإمامُ البخاري في الأدب المفرد عن أنسٍ بن مالك رضي الله عنه عن النبي قال: ) إِنْ قَامَتِ الساعةُ وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تَقوم حتى يَغرِسَها، فليَغرِسْها(؛ فالحديثُ يُؤكِّدُ حَثَّ النبي على التشجير والغرسِ، وبذلك يكون رسولنا الكريم أولُ من دعا لِحَمْلةِ التَّشجيرِ في العالم.

فاللهم إنا نسألك حسنَ الالتزامِ بشريعَتِك والاقتداءِ بسنةِ نبيك، آمين، و الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:
         الحمد لله الَّذي سخَّرَ لنا ما في الأرضِ من الخيرات وأَنْعَمَ علينا فيها بِنِعَمِ الأشجارِ والنباتاتِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له نَهَانا عن الإِسرافِ في استغلالِ الثَّروات، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

        أما بعد، عباد الله: إنَّ مِنَ الخيراتِ والنِّعمِ التي سخَّرَ ها الله لعباده في الأرضِ نعمةُ الغاباتِ التي تُعَدُّ ثروةً من الثَّرواتِ الطبيعية المُهِمَّة التي تَزْخَرُ بها بلادُنا، وذلكَ بالنَّظَرِ لأدوارِها الأساسية في المُحافظةِ على التَّنَوُّعِ البيُولُوجيِّ وحمايةِ التُّرْبةِ من الاِنْجِرَافِ وتحسينِ الظروفِ البيئية، ولِـمَا تُوَفِّرُهُ أيضا من راحةٍ وفُسْحَةٍ للناس؛ لكن للأسفِ فالغاباتُ أصبحتْ تُوَاجِهُ سنويَّا حرائقَ تُتْلِفُ ما يفوقُ 3000 هكتار، وأغلبُ هذه الحرائقِ هي بسبب سلوكِ الإنسان إما عمدا أو عن طريقِ الإهمال.

       أخوة الإيمان: إنَّ لهذه الحرائقِ التي تشهدها الغاباتُ آثارٌ وخيمةٌ على بلدِنَا؛ فَمِنْ ذلكَ تراجعُ الغِطاءِ الغابويِّ واختلالُ التَّوازنِ البيئيِّ بالمناطقِ المُتَضَرِّرَة، كما أن إخمادَها يُكَلِّفُ الدولةَ أعباءً مادِّيةً مهمة، دونَ إِغْفالِ المخاطر التي تُهَدِّدُ أرواحَ الفِرَقِ المُتَدَخِّلَةِ والسَّاكنة المَحَلِّية.

       أحبتي الكرام: ينبغي للمؤمن أن يحرصَ كلَّ الحِرْصِ على تجنُّبِ إضرامِ النار وإشعالها داخلَ الغابةِ أو على جَنَبَاتِهَا، وَبِعَدَمِ رَمْيِ السجائر عند التنزُّهِ فيها، وَتَفَادِي كلِّ ما من شأنه أن يتسبب في اندلاعِ الحرائقِ بِهَا؛ وهذا امتثالا لقول الله عز وجل في سورة الأعراف: )وَلَا تُفْسِدُواْ فِے اِ۬لَارْضِ بَعْدَ إِصْلَٰحِهَاۖ ذَٰلِكُمْ خَيْرٞ لَّكُمُۥٓ إِن كُنتُم مُّومِنِينَۖ( الآية84.

فاللهم وَفِّقْنا لِحُسْنِ طاعتك وعبادتك ... اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال..

اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم... اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد...

وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.

اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.

اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل سوء وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب العالمين.

اللهم إنَّا ندعوك في أحسن الأيام عندك وهو يوم الجمعة وفي أحبِّ البيوتِ إليك وهو بيتك الكريم، اللهم مَنْ كان من الحاضرين  له طلبٌ فاقْضِهِ له .. ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه دينه...

اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين...

 ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار... سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

كتب الخطبة العبد الفقير إلى الله الأستاذ لعبيد محمد ياسين، خطيب مسجد السنة بفاس وأستاذ مادة التربية الإسلامية للثانوي التأهيلي، وذلك يومه الخميس 14 ذو الحجة 1443ه الموافق 14 يوليوز 2022م.


تعليقات

التنقل السريع