القائمة الرئيسية

الصفحات


 خطبة الجمعة 31وَقَفَاتٌ مع دخولِ العامِ الهجري الجديد

الخطبة الأولى:
   الحمدُ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَۖ (، ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (،  )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.

     أما بعد عباد الله: نستقبل في هذه الأيام عامًا هجريًّا جديدا، مُوَدِّعِينَ عامًا هجريَّا مضى بما يحمله من أعمالنا الصالحة والطَّالحة؛ فَطُوبَى لـِـمَنْ قضى هذا العامَ في عبادة الله مُتَحَلِّيًا بالتقوى والفضائل ومكارِمِ الأخلاق، وَخسارةٌ لـِـمَنْ قضى العام في ارتكابِ المعاصي والمُحرَّمات.

       أيها الإخوة المؤمنون: إنَّ أوَّلَ ما يَلْفِتُ الاِنتِبَاهَ في كل سنةٍ مع اقْتِرَابِ دُخولِ العامِ الهجري الجديد، هو تَجَاهُلُ الناسِ ووسائلِ الإعلامِ الحديثَ عنه معَ أنَّهُ هو التاريخُ الرَّسميُّ للمسلمين، بينما تقومُ الدنيا وتَقْعُدُ عندما يتعلقُ الأمر بدخول السنة الميلادية الجديدة، إذِ الكلُّ يتحدثُ عنها قبل دخولها بأسابيع، والاستعداداتُ لاستقبالها ينخرطُ فيها الجميعُ؛ أمَّا دُخولُ العامِ الهجري فلا تكاد تسمع به إلا في خطبةِ الجمعة، الشيءُ الذي يدُلُّ على تَنَكُّرِنا لِهُوِيَّتِنَا وخُصُوصِيَّتِنَا، وتَشَبُّهِنا واتِّباعِنا لسُنَنِ غيرنا، وهذا قدْ نبَّهَ إليه النبي في الحديث الذي أخرجه الإمامُ البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي قال: ) لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بذِرَاعٍ، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ، قُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قالَ: فَمَنْ؟(.

      أيها المؤمنون والمؤمنات: صحيحٌ أنه أصبحنا نتعاملُ في كلِّ صغيرةٍ وكبيرة بالتاريخِ الميلادي، وأصبح تاريخًا إداريًّا عالَمِيَّا مفروضا على كلِّ الأُمَمِ بِمَنْ فيهم الأمَّةُ الإسلامية؛ لكن ومع ذلك واعْتِزِازًا بِدينِنَا وتعريفًا بِهُوِيَّتِنا - خاصة لأولادنا وللأجيال التي ستأتي بعدنا – وجب أن نُعْطِيَ لهذه المناسبةِ حقَّها وَنَقِفَ عِنْدَها مع أُسَرِنَا وأولادنا وأصحابِنَا ومعارِفِنا مُسْتَلْهِمِينَ الدروس والعِبَرَ منها، وهذا أقَلُّ القليل الذي ينبغي أن نقومَ به حتى لا يأتي وقتٌ يُتَجاَهَلُ فيه هذا التاريخُ بالمَرَّة.

      أيها المسلمون والمسلمات: إنَّ دُخولَ العامِ الهجري الجديد لَيُذَكِّرُنَا بِعُمُرِنَا الذي يَتَآكلُ بِمُضِيِّ عامٍ بعد عام، فالعُمُرُ يمضي وما مضى منه لن يعودَ أبدًا، ولِكُلِّ أجلٍ كِتابٌ؛ قال الحسنُ البصري رحمه الله: ) يَا ابْنَ آدَمَ! إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ، فَإِذَا ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُكَ(، وقال عمرُ بنُ عبد العزيز رحمةُ الله عليه: ) إِنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَعْمَلَانِ فِيكَ، فَاعْمَلْ فِيهِمَا(؛ ولذلك حثَّ النبيُّ على اغتنام العُمُرِ واستغلاله وعدمِ تضييعه في ما لا ينفع، روى الحاكم في المُستدَرَكِ والمُنذِرِيُّ في الترغيب والترهيب عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسولُ اللهِ لرجلٍ وهو يَعِظُه:)اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ : شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وَغِنَاكَ قبل فقرِك، وَفَرَاغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك(.

      أحبتي الكرام: ينبغي للمؤمن أن يقف مع نفسه - عند انقضاء عام ودخول عام جديد - من أجل مُحاسبتها ومساءلتها ماذا قدمت للآخرة من أعمال صالحة؟ وماذا ضَيَّعَتْ؟، ليَعرِفَ الرِّبحَ الذي قامَ به فَيَشْكُرَ اللهَ عليه ويُدَاوِمَ على القيام به ، ويعرِفَ الخسارةَ والذُّنُوبَ التي وقعَ فيها فيَسْتَغْفِرَ اللهَ منها ويُحاولَ أن يبتعد عنها – قبل فواتِ الأوان-؛ فالمؤمنُ الفَطِنُ هو الذي يُحاسِبُ نفسه في الدنيا قبل أن يَقِفَ للحسابِ بين يَدَيِ الله عزَّ وجل، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: )حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا؛ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ } يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ{  (. فاللهم إنا نسألك السلامة في الدنيا والآخرة، نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين وبحديث سيِّدِ الأوَّلينَ والآخِرِين، وغفرَ الله لي ولكم ولِسائرِ المسلمين، آمين، و الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:
         الحَمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، والعَاقِبةُ لِلْمُتَّقينَ، ولَا عُدْوانَ إلَّا عَلَى الظَّالِمينَ، أَحمَدُه تَعَالَى حَمْدَ الشَّاكرينَ، وأستَغفِرُه استِغفَارَ المُنيبِينَ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لَا شَريكَ لهُ، إِلَهُ الأوَّلينَ والآخِرِينَ، وَقَيُّومُ يومِ الدِّينِ، وأَشهدُ أنَّ سيدنا مُحمدًا الأَمِينَ عبدُه ورسولُه إلى العَالَمينَ، صَلواتُ اللهِ وسلامُه عَلْيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحبِه والتَّابعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ.

          أما بعد، عباد الله: إنَّ دُخولَ العامِ الهجري الجديد يُذَكِّرُنَا أيضا بهجرةِ النبي، والتي كانتْ في شهر ربيع الأول – على أرجح الأقوال – وليس في شهر محرم كما يعتقد كثيرٌ من الناس؛ فالهِجْرَةُ حدثٌ جَلَلٌ ونُقْطَةُ تَحَوُّلٍ هامَّةٍ في تاريخ النبي ومن كان معه وقتها، وفي تاريخ الإسلام والمسلمين عامة، فبِالهِجرَةِ تَحَوَّلَ الإسلامُ من مُضْطَهَدٍ في مكةَ إلى حاكِمٍ في المدينة، وأسَّسَ النبي أولَ دولةٍ في الإسلام.

       أخوة الإيمان: إنَّ حدثَ الهجرةِ رِحْلةٌ تشريعية من مكة إلى المدينة المنورة مُرُورًا بغار ثور، راسمةٌ للأمة والأفراد الفوائدَ العظيمة والآثارَ الجليلة والدُّروسَ النافعة في مُسْتَهَلِّ عامِهِمُ الجديد؛ فهي تحملُ في طَيَّاتهِا معاني الشجاعة والقُوَّة والتَّضْحِيَةِ والفِدَاء، ومعاني النَّصْرِ والصَّبْرِ والتَّوَكُّلِ والإخاء، ومعاني الاِعْتِزَازِ بالله ورسوله ودينه مهما بلغَ كَيْدُ الأعداء.  

فاللهم وَفِّقْنا لِحُسْنِ طاعتك وعبادتك ... اللهم إنَّا نسألك الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قول وعمل ونعوذُ بك اللهم من النَّارِ وما قَرَّبَ إليها من قولٍ وعمل ... اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال..

اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم... اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد...

وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.

اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.

اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل سوء وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب العالمين.

اللهم إنَّا ندعوك في أحسن الأيام عندك وهو يوم الجمعة وفي أحبِّ البيوتِ إليك وهو بيتك الكريم، اللهم مَنْ كان من الحاضرين  له طلبٌ فاقْضِهِ له .. ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه دينه...

اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين...

 ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار... سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

كتب الخطبة العبد الفقير إلى الله الأستاذ لعبيد محمد ياسين، خطيب مسجد السنة بفاس وأستاذ مادة التربية الإسلامية للثانوي التأهيلي، وذلك يومه الأربعاء 27 ذو الحجة 1443ه الموافق 27 يوليوز 2022م.


تعليقات

التنقل السريع