خطبة الجمعة 32 : نِعْمَ المالُ الصالحُ للمرْءِ الصالح
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه
ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له
ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ
سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ
الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه
أجمعين؛ ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ
اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم
مُّسْلِمُونَۖ (، ) يَٰٓأَيُّهَا
اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ
وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ
اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (، )يَٰٓأَيُّهَا
اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ
لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ
وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.
أما بعد عباد الله: كثيرٌ من الناس في شهر محرم يُخرِجُونَ زكاة أموالهم، ليس لأنها
مرتبطة بعاشوراء كما يعتقد البعض، وإنما السبب في ذلك يرجع إلى أن أجدادنا كانوا يَبدؤون
تجارتهم في رأس العام الهجري فَبَقِيَتِ الزكاة مرتبطة به، وإلا فإنَّ الزكاة
مرتبطة بتمام العام في أي شهر كان؛ وفي مقابل هؤلاء الناس الذين يحرصون على إخراج
الزكاة كما أمر الله ورسوله، يُوجَدُ عددٌ كبيرٌ مِنَ الناس الذينَ يتَحَايَلُونَ
من أجل عدم إخراجها رغمَ أنهم يعلمون أنها ركنٌ من أركان الإسلامِ الخمسة، وذلك لِحُبِّهِمُ
الشديدِ للمال وتَعَلُّقِهِمْ به تَعَلُّقًا مَرَضيًّا؛ لذلكم أحببت أن أقفَ بكم
اليوم – إن شاء الله – عند قاعدة نبوية بَالِغةِ الأهمية، ألا وهي: "نِعْمَ
المالُ الصالحُ للمرءِ الصالح".
أيها الإخوة المؤمنون: إنَّ المالَ نِعْمةٌ من الله عزَّ وجلَّ للإنسان لِينتفعَ به
وينفعَ به غيرَه ومجتمعه وَأُمَّتَهُ، وحتى يكونَ كذلك وتتحقق وظيفةُ المالِ كما
أراد الله عز وجل لا بُدَّ من شرطين أساسين ذكرهما النبي صلى الله عليه وسلم في القاعدة
وهما: أن يكون المال صالحا وأن يكون في يدِ امرئٍ صالح؛ فما المقصود
بالمال الصالح؟ ومن هو المرءُ الصالح؟
أيها
المؤمنون والمؤمنات: إنَّ المالَ لا يكون صالحا إلا بشروط أربعة هي:
- أولها: اكتسابُ المال من الحلال؛ قال الله تعالى: )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِے اِ۬لَارْضِ
حَلَٰلاٗ طَيِّباٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطْوَٰتِ اِ۬لشَّيْطَٰنِۖ إِنَّهُۥ لَكُمْ
عَدُوّٞ مُّبِينٌۖ( سورة البقرة الآية167، فكسْبُ المالِ مِنَ الحرام أي من طُرُقٍ غير
مشروعة كالسرقة والرشوة والغش...لا يجعله مالاً صالحا؛ وللأسف في عصرنا الحالي لم يَعُدِ الإنسانُ يُبَالِي
مِنْ أين يكتسب المال أمن حلال أم من حرام.
- ثانيهما: إنفاق المال في الحلال؛ فالمالُ مالُ
الله عز وجل والإنسان مستخلفٌ فيه وهو ملزمٌ بالتَّصَرُّفِ فيه وِفْقَ أحكام الشرع
وضوابطه لا وِفْقَ أهوائه وشهواته، وللأسف عندما تنصح أحدا اليومَ بِوُجوب التصرف
في المال كما يريد الله عز وجل ويبتعدَ عن إنفاقه في الحرام، فإنك تجده يُجيبُكَ بأنَّ
المالَ مالُهُ وهو حُرٌّ في التصرف فيه كما أراد، مُقْتَديا بذلك بقارون الذي نَسَبَ
لنفسه وعلمه ما عنده من مالٍ كثير عندما قال: قال الله تعالى على لسان قارون ) قَالَ إِنَّمَآ
أُوتِيتُهُۥ عَلَيٰ عِلْمٍ عِندِيَۖ ( سورة العنكبوت الآية 78، فكانت النتيجة أن خسف الله به وَبِمَالِهِ الأرض، قال
الله تعالى: ) فَخَسَفْنَا بِهِۦ
وَبِد۪ارِهِ اِ۬لَارْضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٖ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ
اِ۬للَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ اَ۬لْمُنتَصِرِينَۖ ( سورة العنكبوت الآية 81؛ فإذا لم يُنْفَقِ
المالُ في الحلال لم يكن مالا صالحا.
- ثالثها: أن يُؤَدَّى من المال الحقوق والواجبات الشرعية؛ وقد وضَّحَ
الإسلامُ ذلك توضيحا تاما، بحيثُ أوجب إخراج زكاة الأبدان (الفطر) في نهاية شهر
رمضان وإخراجَ زكاة الأموالِ إذا بلغَ الحولَ (العام ) وأَتَمَّ النِّصاب، وأمر
أيضا بالإنفاقِ على النفس والأهل والوالدين، وبأداء الديون وردِّ الأماناتِ إلى
أهلها؛ فإذا لم
يلتزمِ الإنسان الذي أعطاه الله مالا بأداء هذه الحقوق والواجبات لم يكن ماله
صالحا.
- رابعا: ألا يُشْغِلَ المالُ صاحبه عن القيام بالعبادات والتكاليف
الشرعية، من ذكر الله والصلاة وقراءة القرآن وإعطاء
الوقت للأهل والأحباب..؛ فإِنِ انشغل الإنسان عن هذه الأمور بسبب تجارتِهِ وجَرْيِهِ
وراءَ المالِ حتى لو كان من طريق مشروعٍ، فَلاَ يكونُ مالُه صالحا وإنما هو فتنةٌ
حَذَّرَ الله منه في قوله تعالى: ) اِنَّمَآ أَمْوَٰلُكُمْ
وَأَوْلَٰدُكُمْ فِتْنَةٞۖ وَاللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجْرٌ عَظِيمٞۖ( سورة التغابن الآية 15. فاللهم نَوِّرْ طريقنا للخير واهدنا
إلى الفلاح والصلاح، نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين وبحديث سيِّدِ الأوَّلينَ
والآخِرِين، وغفرَ الله لي ولكم ولِسائرِ المسلمين، آمين، و الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ
للهِ ربِّ العالَمينَ، والعَاقِبةُ لِلْمُتَّقينَ، ولَا عُدْوانَ إلَّا عَلَى
الظَّالِمينَ، أَحمَدُه تَعَالَى حَمْدَ الشَّاكرينَ، وأستَغفِرُه استِغفَارَ
المُنيبِينَ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لَا شَريكَ لهُ، إِلَهُ
الأوَّلينَ والآخِرِينَ، وَقَيُّومُ يومِ الدِّينِ، وأَشهدُ أنَّ سيدنا مُحمدًا
الأَمِينَ عبدُه ورسولُه إلى العَالَمينَ، صَلواتُ اللهِ وسلامُه عَلْيهِ وعَلَى
آلِهِ وصَحبِه والتَّابعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
أما بعد، عباد الله: بعد أن تعرّفنا في الخطبة
الأولى على شروط المال الصالح، ننتقل للحديثِ عن المقصود بالمَرءِ الصالح في القاعدة
النبوية.
أخوة الإيمان: إنَّ المرْءَ الصالحَ - رجلا كان أوِ امرأةً – هو المرْءُ السليم في عقله،
فالسَّفيهُ والمعتوهُ والمجنونُ وإن كان بِحَوْزَتهم مالٌ لن يتصرفوا فيه كما
يُريدُ الله تعالى ولن ينتفعوا به لا هُمْ ولا غيرهم، ولذلكم هؤلاء في الشرعِ والقانون
يُحْجَرُ على أموالهم أيْ أنه لا يَحِقُّ لهم التصرُّفُ في ما عندهم من مال، لقول
الله تعالى: ) وَلَا تُوتُواْ اُ۬لسُّفَهَآءَ امْوَٰلَكُمُ
اُ۬لتِے جَعَلَ اَ۬للَّهُ لَكُمْ قِيَماٗۖ وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ
وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاٗ مَّعْرُوفاٗۖ( سورة النساء الآية5.
أيها المسلمون والمسلمات: إنَّ المرْءَ الصالحَ هو الذي يكون صالحا في قلبِه، أي أنَّ قلبَهُ خالٍ من
حُبِّ المال والجشع والطمع، فمن تعلَّقَ بالمال وأحبَّهُ حُبَّا جَمًّا صَعُبَ
عليه فراقُهُ وَحَرَمَ نفسه وغيره من الانتفاع به.
إنَّ المرءَ الصالحَ أيضا
هو الصالحُ في عمله، الذي يُوَظِّفُ المالَ الذي أعطاه الله له فيما يُرضي الله
وينفعُهُ وينفع الناس والمجتمعَ والوطن.
أحبتي الكرام: إن المرء الصالح في عقله
وقلبه وعمله لنْ يحصلَ إلا على المالِ الصالح الذي سينفعه في دنياهُ وآخرَتِه، ولنْ
يُوَظِّفهُ إلا فيما يُرضي الله عز وجل ويُسعدُ الناس من الفقراء والمحتاجين
واليتامى، ومثلُ هذا هو الذي عرف حقيقة المال.
فاللهم وَفِّقْنا لِحُسْنِ
طاعتك وعبادتك ... اللهم إنَّا نسألك الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قول وعمل ونعوذُ بك اللهم من
النَّارِ وما قَرَّبَ إليها من قولٍ وعمل ... اللهم لك الحمد حتى ترضى
ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال..
اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن
الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم...
اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل
سيدنا إبراهيم، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على
سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد... وارض اللهم
عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه
البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ
الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى
الرشيد.
اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا
وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير
والفلاح والصلاح.
اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل سوء
وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب
العالمين.
اللهم مَنْ
كان من الحاضرين له طلبٌ فاقْضِهِ له ..
ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه
دينه... اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين
وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين...ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا
وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار... سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين
والحمد لله رب العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق