القائمة الرئيسية

الصفحات


 

خطبة الجمعة 52: التقصير في تربية الأولاد

الخطبة الأولى:
       بسم الله الرحمان الرحيمالحمدُ لله ، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَۖ(، )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (، )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.

       أما بعد عباد الله: ربطًا بموضوعِ الخطبة الماضية والتي قدمتُ فيها بعضَ الوصايا والتوجيهات بمناسبة الدخول المدرسي والجامعي الجديد، اخترتُ - في هذه الجمعة إن شاء الله – أن أتحدثَ عن موضوعِ: " التقصير في تربية الأولاد".

          أَيُّهَا الإخوة المؤمنون: إنَّ منْ وَهَبَهُ الله نعمةَ الأولادِ – ذكرا أو أنثى -، عليه أن يعلمَ أنَّهُ قدْ حُمِّلَ أمانةً ومسؤوليةً عظيمةً، ينبغي أن يُؤَدِّيها على أكملِ وجه، وإلا فإنَّهُ سيُحَاسَبُ على تقصيره في أدائها والوفاء بها حسابا عسيرا يوم الحساب، قال الله تعالى في سورة الأنفال مُحَذِّرًا المؤمنين مِن خِيَانَةِ الأمانة: )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ اُ۬للَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَۖ( الآية: 27.

          أَيُّهَا المسلمون والمسلمات: إنَّ أداءَ أمانةِ الأولاد تتَحَقَّقُ بالاِعتناء بهم وحمايتهم من الأخطار التي يمكنُ أن تُواجِهَهُم في حياتهم، وبِحُسْنِ تربِيَتِهم وتنشِئَتِهم على الثوابتِ والقيمِ الدينية، التي تضمنُ لهمُ البقاءَ على الفِطرة الإسلامية التي وُلِدوا عليها، أخرج البخاري  ومسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )ما مِن مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ، أوْ يُمَجِّسَانِهِ، كما تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِن جَدْعَاءَ، ثُمَّ يقولُ أبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] الآيَة(.

          أَيُّهَا المؤمنون والمؤمنات: إذا تأمَّلْنا حالَنا وواقعَنا - اليوم - في تربية أطفالنا، فإنه سَنُلاَحِظُ جميعا - وما أبرئُ نفسي – أننا مُقَصِّرونَ في ذلك تقصيرا كبيرا – إلا مَنْ رَحِمَ الله -، ومظاهرُ هذا التقصيرِ تتجلى فيما يلي:

          أولا: اِنْشِغالُ الآباء – والأُمَّهاتِ أيضا بسبب خروجهن للعمل في هذا العصر – بِمَشَاغلِ الدُّنْيَا الفانيةِ الزَّائلة، بِدَاعي توفير المالِ لهمْ وكلِّ احتياجاتهم وطلباتهم المادية، ولْيَسْألْ كلُّ واحدٍ مِنَّا نفسه صادقا: كم مِنَ الوقتِ تُجالسُ أولادَكَ لِتَعْرِفَ أحوالَهُ واحتياجاتِه المعنويةِ ومشاكِلَهُ في الدراسةِ والحياة؟ كم عددُ المَرَّاتِ التي رافَقْتَ فيها ابنَكَ أوِ ابنَتَكَ إلى المؤسسة التي يدرسُ بها وسألتَ أساتِذَتَهُ عن مُستواه؟

ثانيا: إِلْقَاءُ الأبِ المسؤوليةَ الكاملةَ على الأُمِّ في عملية تربية أطفالِهما، وهذا خطأٌ كبيرٌ لأنَّ الطفل يحتاج إلى التوازنِ في التربية، والذي لا يتحقق إلا بِصَرَامةِ الأبِ وعاطفةِ الأم، فلوْ كان أحدهما يستطيعُ فِعْلَ ذلك لِوَحده لَخَلَقَ الله الناسَ جميعا إما ذكورا أو إناثا، ولكنْ – سبحانه وتعالى – خلقنا ذكورا وإناثا من أجلِ التعاونِ والتشاركِ على أعباء الحياة ومنها تربية الأطفال.

ثالثا: تهوينُ وتصغيرُ بعضِ الأمور في التربية، كعودةِ الطفلِ إلى المنزل متأخرا، وخرُوجِهِ منه منْ دونِ اسْتِئذانِ وَالِدَيْه، وسبِّهِ لِلَّهِ والدِّينِ، وعدمِ أداء الصلاةِ بِحُجَّةِ أنه لا يزالُ صغيرَ السِّنِ رغمَ أنه ربما قد وصل إلى مرحلة البلوغ وسنِّ التكليف الشرعي، وغيرِها من الأمور التي تتطلبُ التَّهويلَ لا التهوين، وتتطلبُ الصرامة والشِّدَّةَ لا الاِسْتِسْهالَ والتَّجاوُزَ واللاَّمُبَالاَة.

رابعا: كونُنا لسنا قُدْوَةً لأطفالِنا، فالتربية تحتاجُ إلى القدوةِ، والطفلُ يتربَّى وينشأُ على ما يراهُ ويسمع، فكيفَ يُمكنُ لِطفلٍ أن يسمَعَ لِنَصِيحةِ أبيهِ له بِضَررِ التدخين وهو يُدَخِّنُ أمام ناظِرَيْهِ صباحا ومساء، كيف لِطِفْلٍ أن يقتنع بأهمية قراءة القرآن والصلاة وَوَالدَاهُ لا يفتحانِ المُصحف أمامهُ أبدًا وَلاَ يُصَلِّيان.............فَاللهم أَعِنَّا على تربية أولادِنا، آمين، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:
          الحمد لله  ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، أيها الآباءُ والأمهات: إنَّ هِبَةَ الأولادِ من أَجَلِّ النِّعَمِ مِنَ الحقِّ سبحانه، ولاَ أدلَّ على ذلكَ هو مَنْ حُرِمَ هذه النعمةَ فإنك تجدهُ يبذلُ الغالي والنَّفيسَ ويفعلُ المُستحيل من أجل الحصول على وَلَدٍ من صُلْبِه؛ لذلكَ ينبغي أنْ نُقَدِّرَ هذه النِّعْمَةَ ونَشكُرَ الله تعالى عليها بِحُسْنِ تربيتنا لأطفالنا وعنايتنا بهم، ولْنَتَذَكَّرْ قولَ ربِّنا سبحانه وتعالى في سورة التحريم: )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراٗ وَقُودُهَا اَ۬لنَّاسُ وَالْحِجَارَةُ( الآية: 6.

أيها الآباءُ والأمهات: إنَّ ولدَكَ هوَ تاجُ وثَمَرَةُ مجهودِكَ في التربية والعناية والرعاية والوِقاية والاهتمام، فمنْ أحسنَ التربية والعنايةَ وَجَدَ خيرا في الدنيا والآخرة، ومن أساء التربية والعناية فلا يَلومنَّ إلا نفسه مما سيجنيه من هذا التقصير في الدنيا والآخرة أيضا؛ وإنَّ منَ الخير الذي سيجده المرءُ في الدنيا إنْ هُوَ أحسنَ تربيةَ أطفاله، أنَّ الناسَ ستدعو له بالخير حيَّا وميِّتا لأنَّهُ قَدَّمَ للمجتمعِ فردًا صالحا نافعا، وكذلكَ افتخارهُ بأولاده أمام الناس عندما ينجحون في حياتهم ويكونُ لهم شأنٌ عظيم، وأمَّا الخيرُ الذي يجدهُ بعد موته، فإنَّ صحيفتَهُ لا تُطوى بسببِ دعاءِ ولدِه الصالحِ له، أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ) إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له(. 

       فاللهم يسِّرْ لنا أمرَ تربيةَ أولادِنا وأعِنَّا على أداء هذه الأمانةِ من دون تقصير... اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال.. اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم...

اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد...وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد....وارْحَمِ اللهم المَلِكَيْنِ المُجاهدين عبدَك الملكَ محمدا الخامس وعبدك الملكَ الحسن الثاني، اللهم طَيِّبْ ثَراهما واغفِرْ لهما، وارْحمِ اللهم كل آبائنا وأجدادنا الذين ضَحَّوْا بأرواحهم وأموالهم فداءً لتحريرِ هذا الوطن.

اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل سوء وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب العالمين.

اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.... اللهم أحِطْ أولادنا بِحُسْنِ عِنايتِكَ وأصلِحْهُم وَوَفِّقْهم للخير والصلاح والرَّشاد.

اللهم مَنْ كان من الحاضرين  له طلبٌ فاقْضِهِ له .. ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه دينه... اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين... ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار... سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

كتب الخطبة العبد الفقير إلى الله الأستاذ لعبيد محمد ياسين، خطيب مسجد الرضى بفاس وأستاذ مادة التربية الإسلامية للثانوي التأهيلي، وذلك يومه الأربعاء  20 صفر 1445ه الموافق 06 شتنبر  2023م.

أنت الان في اول موضوع

تعليقات

التنقل السريع