خطبة الجمعة 51: وصايا بمناسبة الدخول المدرسي والجامعي الجديد
الخطبة الأولى:
بسم الله الرحمان الرحيم الحمدُ لله ، نحمدُه ونستعينه
ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه
اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا
شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً
ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي
وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ )يَٰٓأَيُّهَا
اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَۖ(، )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ
اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا
زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ
اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيباٗۖ (، )يَٰٓأَيُّهَا
اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ
لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ
وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.
أما بعد عباد الله: نستقبلُ في هذا الأسبوعِ
مَوْسِمًا دِرَاسِيًّا وَجامعيًّا جديدا، أسأل الله أن يجعله لأبنائنا وبناتنا
التلاميذِ والطلبةِ موسمَ اجتهادٍ ونجاحٍ وخيرٍ وبركة؛ لذلكمْ أحببتُ - في هذه الجمعة إن شاء الله – أن
أُقَدِّمَ بعضَ الوصايا والتوجيهاتِ للسَّادَةِ الأساتذةِ والمربينَ أولا،
ولأبنائي وبناتي التلاميذِ والطلبةِ ثانيا، ثم لأولياء أمورهم من الآباء
والأمهات ثالثا.
أَيُّهَا الأساتذةُ والمربُّون:
إنَّ
أوَّلَ ما أنصحُكُمْ به – وأنصح به نفسي أولا باعتباري منكم – أنْ تُنَزِّلَ المتعلمَ
منزلةَ ابنِكَ وابْنَتِكَ حتى تشتغلَ بِضَمِير، لِأَنَّ طبيعةَ الإنسانِ أنه حريصٌ على مُستقْبَلِ أولاده؛
وتذكَّرْ أن غيرَكَ يُدَرِّسُ أبناءَكَ، فكما تحبُّ أن يُحْسِنَ أساتِذَةُ أبنائِكَ
إليهم فأحسنْ إلى من تُدَرِّسهُم مِنْ أبناءِ غيرك، وقدْ قالَ رسولنا المصطفى صلى
الله عليه وسلم في الحديث الذي رواهُ الإمامُ البخاري في صحيحه عنْ أنسٍ بنِ
مالكٍ - رضي الله عنه – عنِ النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: )لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ(.
أَيُّهَا الأساتذةُ والمربُّون: تَمَكَّنْ منَ العُلومِ
والمَعارفِ التِّي سَتُدَرِّسُها، واجتهِدْ في تَدْرِيسِكَ ولا تكنْ كسولاً خَمُولاً؛ وأَخْلِصِ القصدَ والنِّيَةَ للهِ
في تعليمكَ وتدريسِكَ، فمنْ كانتْ نِيَتُهُ حسنةً صادقةً أعانهُ الله في
مُهِمَّتِهِ وباركَ له في عمله وأهلهِ وأَجْرِهِ في الدنيا وجزاهُ خيرَ الجزاءِ في
الآخرة، قال الله تعالى: )اِنَّ
اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ اُ۬لصَّٰلِحَٰتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنَ
اَحْسَنَ عَمَلاًۖ (، سورة الكهف، الآية: 30.
أَيُّهَا الأساتذةُ والمربُّون: كُنْ
لِتَلاميذِكَ قُدْوَةً حسنة بالتَّحَلِّي بِحُسْنِ الأخلاقِ والسلوكِ، وَتَجَنُّبِ
كلِّ العاداتِ السَّيِّئةِ مثلِ السَّبِّ والشتم والتدخينِ ...، التي إنْ رآها
فيكَ تلاميذُكَ تأثروا بك، فهم في هذه المرحلةِ من العمرِ سَرِيعُوا التأثّرِ بمن
حولهم.
عباد الله، أنتقلُ إلى
المتعلِّمينَ والمتعلمات: أَخْلِصُوا نِيَاتِكم للهِ
تعالى في دِرَاسَتِكُمْ، فلاَ تكنْ غايتكم منها فقط تحقيقَ طموحاتِكمُ الشخصيةِ
ومكاسبَ لأنفسِكم وأقربائكم، بل أيضا ينبغي أن يكون هدفُكُمْ من الدراسةِ تحقيقَ
النفعِ لِمُجتَمَعِكم وبلدِكم وأُمَّـتِكُمُ الإسلامية؛ وهنا يكمنُ الفرقَ - اليوم وللأسف – بين تلاميذنا وتلاميذِ الغرب.
أيها المتعلمون
والمتعلمات: اُبْذُلوا قُصارى الجُهْدِ في تحصيلِ العلومِ والمعارفِ
وتطويرها، وابتَعِدُوا عَنِ الغِشِّ في دِرَاسَتِكم وامْتِحاناتِكم، فمنْ
تَعَوَّدَ على الغشِّ بَقيَ كذلك طولَ حياته، وتذَكَّرُوا أنَّ منكم سيكونُ -
مستقبلا - الأستاذُ والطبيبُ والقاضي والمحامي والمسؤولُ وغيرُها مِنَ المهنِ
والوظائفِ، التي تتطلبُ الكفاءةَ والتَّحَلِّي بالأمانة والمسؤولية لأدائها على
وجهِ التمام والكمال.
أيها المتعلمون
والمتعلمات: تَحَلَّوْا بِالأخلاقِ والآدابِ والقيمِ الإسلامية الفاضلة،
فَالعِلمُ بِلا أَدَبِ وأخلاقٍ لا فائدةَ منه ولا يُوصِلُ صاحبه إلى ما يرجو
ويطمحُ، لِذَلِكَ تَمَثَّلُوا ما تدرسون منْ قِيَمٍ في حياتِكُم، معَ أساتِذَتِكم
وآبائكم وأُمَّهاتكم وأقربائكم، مع أفرادِ مُجتمعكم ....
أعانَكمُ الله أبنائي وبناتي في دِرَاسَتِكم
ووفقكم لِتَحقيقِ طموحاتكم بما يحقق الخير لِدِينِكم ومجتمعكم ووطَنِكم، وأعانَ
الله الأساتذة والمُرَبِّين في القيامِ بهذهِ المُهِمَّةِ النبيلة على أكملِ وجه، آمين،
والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي
علَّمَ بالقلمِ، علَّمَ الإنسانَ مَا لمْ يعلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا
محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى
يوم الدين.
أما بعد، أيها الأولياءُ من
الآباءِ والأمهات: إنَّ نَجاحَ أبنائِكُمْ وبناتكم وتَفَوُّقَهُمْ لا
يتوَقَّفُ - فقط - على المُدَرِّسينَ والمسؤولينَ على قِطاعِ التعليم، بلْ إنَّ
نجاحَهُمْ رَهِينٌ - أيضا - بمدى قيامِكُمْ بواجبِكُمْ ومسؤولياتِكُمْ؛ لِذلكمْ تَفَقَّدُوا أولادكم
وَرَاقِبُوهمْ - بينَ الفَيْنَةِ والأخرى – في مُؤسَّسَاتِهمُ التي يدرسونَ بها وَمَنْ
يُرَافِقونَ من الأصحابِ والأصدِقاء، فالصَّاحبُ ساحٍبٌ، فإمَّا أن يسحبَ ابنَكَ
إلى الاِجتهادِ وأعلى الدرجات وإمَّا أن يسحبه إلى التكاسُلِ وأسفلِ الدَّرَكَات.
أيها الأولياءُ من
الآباءِ والأمهات: تَتَبَّعُوا مَسِيرَةَ
أبنائِكم وبناتِكمْ في الدِّرَاسةِ، ما هي الموادُّ التي يتميزون فيها، وما هي
الموادُّ التي عندهم فيها نقصٌ، حتى تُساعِدُوهُمْ على تجاوُزِ صعوباتها واستدراكِ
ما فاتهم فيها قبل فواتِ الأوان؛ وَتَذَكَّروا
أنَّ إِهمالَ الأولادِ ظلمٌ ومعصيةٌ وخيانةٌ للأمانة التي
سَتُسْألونَ عنها يوم الحساب، أخرج الإمامُ البخاري في صحيحه عن عبد الله بنِ عمر -
رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: )كُلُّكُمْ راعٍ،
وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ(.
فاللهم اجْعَلْنِي
وإيَّاكم هُدَاةً مُهتَدِينَ صالحين مُصْلِحِين... اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت
ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال.. اللهم إنا نحمد ونشكرك أن
جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى
آله وسلم...
اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على
سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا
محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد
مجيد...وارضَ اللهم عن
الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى
ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور
المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده
المولى الحسن
وبأخيه المولى الرشيد.
وارْحَمِ
اللهم المَلِكَيْنِ المُجاهدين عبدَك الملكَ محمدا الخامس وعبدك الملكَ الحسن
الثاني، اللهم طَيِّبْ ثَراهما واغفِرْ لهما، وارْحمِ اللهم كل آبائنا وأجدادنا
الذين ضَحَّوْا بأرواحهم وأموالهم فداءً لتحريرِ هذا الوطن.
اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل
سوء وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب
العالمين.
اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا
ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا
جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح....
اللهم مَنْ كان من الحاضرين له طلبٌ فاقْضِهِ له .. ومن كان مريضا فاشْفِهِ
.. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه دينه...
اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم
مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين... ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن
من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي
الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار... سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب
العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق