القائمة الرئيسية

الصفحات


 

خطبة الجمعة 28: يوم عرفة وعيدُ الأضحى

الخطبة الأولى:

      بسم الله الرحمان الرحيم الحمدُ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَۖ (، ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (،  )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.

     أما بعد عباد الله: قَدْ مضى من الأيام العشرِ المباركة ما قد مضى وأسألُ اللهَ العليَّ القديرَ أنْ نكونَ قد وُفِّقنَا فيها بالاجتهاد في الطاعات والعملِ الصالحِ بما ذكرناهُ في الخطبة الماضية؛ وقد بقيَ من هذه الأيَّامِ أعظمُها وأشرفها وأكرمُها – يوم عرفةَ ويوم الأضحى -.

       أيها الإخوة المؤمنون: إنَّ يومَ عرفةَ – اليومَ التاسعَ من شهر ذي الحجة – يومٌ عظيم؛ فَهُوَ اليومُ الذي أكمل الله تعالى فيه الدين لعباده، قال الله تعالى: )الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاِسْلَامَ دِينًا( المائدة،الآية4؛ وهو اليومُ الذي يَقِفُ فيه حجّاجُ بيت الله الحرام على صعيد جبل عرفات، ووقوفُهُم يُعَدُّ رُكْنًا رئيسًا في فريضة الحجّ؛ وهو اليومُ الذي حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على صيامِهِ لِـمَنْ لَمْ يَكُنْ حاجًّا لِـمَا فيه من الأجر والثواب العظيم،

      أيها المؤمنون والمؤمنات: إنَّ مِنْ فضائلِ يومِ عرفةَ أنَّ الله تعالى يغفِرُ في هذا اليومِ لعبادِه الحُجَّاجِ ذنوبَهم ويُكفرُ عنهم سيئاتِهِم ويعتقُ رقابَهم من النارِ ويفتخرُ بهم أمام ملائكته، أخرج الإمام مسلم عن عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها أنّ النّبي قال: ) مَا مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمُ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟(؛ وكذلك يُكَفِّرُ الله لعباده الصائمين لهذا اليوم سيئاتِ السنةِ التي قبله والسنةِ التي بعده، روى الإمام مسلم عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : )صيامُ يومِ عرفةَ أَحْتَسِبُ على الله أَنْ يُكفِّرَ السَّنَةَ التي قبله وَالسَّنَةَ التي بعده(.

      أيها المسلمون والمسلمات: لقد بقيَ من هذه الأيام العشرِ المباركة أيضا يومُ النَّحر ( الأضحى) الذي هو من أعظَمِ الأيام عند الله تعالى؛ ففي هذا اليوم المبارَكِ يتقرَّبُ المسلمون إلى ربهم بِذَبْحِ أُضحيتهم إحياءً لسنةِ الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام واتباعا واقتداءً بالحبيبِ المصطفى ؛ فالأُضحيةُ شَعِيرَةٌ عظيمةٌ وسُنَّةٌ مؤكدةٌ وَرَدَ الفَضْلُ لِـمَنْ أحْيَاها مُستطيعا غيرَ مُتَكَلِّفٍ، كما حذَّرَ النبيُّ من التَّفريطِ فيها لِـمن كان مستطيعا وقادرا عليها، أخرجَ ابنُ ماجة وأحمدُ واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي قال: )مَنْ وَجَد سَعَةً فلم يُضَحِّ فلا يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنا(.

       عباد الله: اعلموا أن الأُضحيةَ لها أحكامٌ وشروطٌ وآدابٌ لا بُدَّ أن تَسْتَكْمِلَهَا حتى تكون مقبولة تامَّة؛ فمن شروطها وأحكامها أنْ تكونَ الأُضحيةُ مِنَ الْأَنْعَامِ وهي الإبِلُ والبقرُ والغَنَمُ والمَعْزُ؛ وأن تَبْلُغَ السِّنَّ المُعْتَبَرَةَ شَرْعًا، روى الإمامُ مسلم عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ )لا تَذبَحوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا أنْ يَعْسُرَ عليكم فتذبَحوا جَذَعةً مِنَ الضَّأنِ(، فالبهيمةُ التي تُجزِئُ في الأضحيةِ انطلاقا من هذا الحديثِ هيَ الْجِذْعُ منَ الْغَنَمِ (الذي أتم ستةَ أشهر على الأقل)، والثَّنْيُ من المَعْزِ (الذي أتمَّ سنةً كاملةً ودخل في الثانية دُخُولاً بَيِّنًا)، والثَّنْيُ من البقر (الذي أتمَّ ثلاثا ودخل في الرابعة عند المالكية أما عند الجمهور فهي التي أتمت السنتين ودخلت في الثالثة)، والثَّنْيُ من الإِبِلِ (الذي أتم خمس سنوات ودخل في السادسة باتفاق الفقهاء)؛ وأن تكون طيِّبَةً سمينة خاليةً من العيوبِ والأمراض، فلا تُجزئُ التَّضحيَةُ بالبهيمةِ الْعَوْرَاءِ البَيِّنِ عَوَرُها، والمريضَةِ البَيِّنِ مَرَضُها، والعَرْجاءِ البَيِّنِ ضَلْعُها، والعَجْفاءِ الهزيلة؛ وأن تُذبحَ في الوقتِ المُحَدَّدِ شرعا والذي يبدأ من بعدِ وقتِ صلاة العيد إلى غروبِ شمسِ ثاني أيامِ التشريق – أيْ إلى ثالثِ أيام العيد -، والأفضلُ أن يكونَ الذبحُ نهارا قبل غروب الشمس لا ليلاً لكراهَةِ ذلك عند جمهور الفقهاء.

فاللهم إنا نسألك حسنَ الالتزامِ بشريعَتِك والاقتداءِ بسنةِ نبيك، آمين، و الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:
         الحمد لله ربِّ العالمين والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وَليُّ الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

          أما بعد، عباد الله: إنَّ من آدابِ الأضحية التي ينبغي مراعاتها عند الذَّبحِ تسميةُ اللهِ والتَّكْبيرُ، والإحسانُ في الذَّبحِ للحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن أبي يعلى شداد بن أوسٍ رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال)إنَّ الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة، وَلْيُحِدَّ أحدكم شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذبيحته(، وأيضا يجبُ المُحافظةُ على نظافةِ البيئة والحرصُ على رميِ النفايات في المَكانِ المُخَصَّصِ لها.

       أخوة الإيمان: إِنَّ للعيدِ أحكامٌ وآدابٌ ينبغي للمسلم مُرَاعَاتُهَا، مِنْهَا؛ المُحافظةُ على صلاةِ العيدِ مع الجماعة، فقد أَمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بالخروجِ إليها رجالا ونساء وأطفالا؛ وينبغي الخروجُ إلى صلاةِ العيد في أحسنِ هيئةٍ مُتَطَيِّبًا لاَبِسًا أحسن الثِّيَابِ تَأَسِّيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ ويُفضَّلُ الخروجُ إلى صلاةِ العيدِ ماشيًا – لمن تيسر له ذلك -، وأن يذهبَ إلى المصلى من طريقٍ ويرجعَ من طريقٍ آخر.

       أحبتي الكرام: يُستحبُّ في يوم العيدِ الإكثارُ من التكبيرِ والتحميدِ والتهليلِ؛ وكذلك صلةُ الأرحام وزيارةُ الأقاربِ والأصحاب؛ وأيضا تَذَكُّرُ اليتامى والمساكينِ في هذا اليوم المبارَكِ بالإحسانِ إليهم بما استطاع الإنسانُ إلى ذلك سبيلا، حتى تَعُمَّ الفرحةُ والسرور على الجميع إن شاء الله تعالى.

فاللهم وَفِّقْنا لِحُسْنِ طاعتك وعبادتك ... اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال..

اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم... اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد...

وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.

اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.

اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل سوء وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب العالمين.

اللهم إنَّا ندعوك في أحسن الأيام عندك وهو يوم الجمعة وفي أحبِّ البيوتِ إليك وهو بيتك الكريم، اللهم مَنْ كان من الحاضرين  له طلبٌ فاقْضِهِ له .. ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه دينه...

اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين...

 ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار... سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

كتب الخطبة العبد الفقير إلى الله الأستاذ لعبيد محمد ياسين، خطيب مسجد السنة بفاس وأستاذ مادة التربية الإسلامية للثانوي التأهيلي، وذلك يومه الخميس 07 ذو الحجة 1443ه الموافق 07 يوليوز 2022م.


تعليقات

التنقل السريع