القائمة الرئيسية

الصفحات


         خطبة
الجمعة 27: فضائل العشر الأوائل من ذي الحجة والأعمال المشروعة فيها

الخطبة الأولى:
    بسم الله الرحمان الرحيم الحمدُ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَۖ (، ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (،  )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.

     أما بعد عباد الله: نستقبلُ في هذه الأيامِ العشرَ الأوائلَ من ذي الحجة، وهي أيامٌ مُبَارَكةٌ خَصَّهَا الله عز وجل بِخصائصَ عظيمةٍ ومُمَيِّزَاتٍ فريدة؛ فإذا كانت العشرُ الأواخرُ من رمضان أفضلَ أيام السنة بِلَيْلِهَا لِوُجُودِ ليلةِ القدرِ فيها، فإنَّ العشر الأوائلَ من ذي الحجة أفضلُ أَيَّامِ السنة بِنَهَارِهَا لِوُجُودِ يومِ عرفةَ ويومِ الأضحى فيها؛ فما فضائلُ هذه الأيامِ وخصائصُها؟ وما هي الأعمال الصالحة المشروعة المطلوبة فيها؟

       أيها الإخوة المؤمنون: إن من فضائل هذه الأيام المبارَكةِ أن الله تعالى أقسم بها في القرآن الكريم تشريفا وتعظيما لها؛ قال سبحانه وتعالى في سورة الفجر: )وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٖ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاليْلِ إِذَا يَسْرِۦ (4) هَلْ فِے ذَٰلِكَ قَسَمٞ لِّذِے حِجْرٍۖ (5((.

ومن فضائلها أيضا أن العملَ الصالحَ فيها خيرٌ منه في غيرها؛ جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام – ويعني أَيَّامَ عَشْرِ ذي الحجة - قالوا: يا رسول الله، ولا الجهادُ في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهادُ في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله، فَلَمْ يَرْجِعْ من ذلك بشيء(.

      أيها المؤمنون والمؤمنات: إنه في هذه الأيام العشرِ المباركة يجتمع فيها من العبادات ما لا يجتمع في غيرها من أيام السنة، ففي هذه الأيام تجتمعُ الصلاة والصيام والحجُّ والذِّكْرُ والصدقةُ.... ولا يمكن القيامُ بهذه العباداتِ والطاعاتِ كلِّها مجتمعةً إلا في هذه الأيام من السنة؛ لأن الله تعالى جعل موسم الحج في هذه الأيام المعلومات فلا يصح الحج في غيرها.

      أيها المسلمون والمسلمات: إن من خصائصِ هذه الأيام المباركةِ أنْ جَعَلَ اللهُ في تاسِعِها يومَ عرفة؛ وهو يومٌ عظيمٌ سواءٌ للحجاج الذين يقفون في هذا اليومِ على صَعِيدِ جَبَلِ عرفات فَيَفْتَخِرُ اللهُ بهم أمامَ ملائكتِه، جاء في صحيح ابنِ خُزَيْمَةَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : )إِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ لَهُمْانْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا(؛ وهو يومٌ عظيم أيضا لغيرِ الحُجَّاجِ الذين يصومون هذا اليوم فَيُكَفِّرُ الله عنهم سيئاتِ السَّنَةِ التي قبلها والسَّنَةِ التي بعدها، كما أخبرنا بذلك المُصْطَفَى في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه: )صيامُ يومِ عرفةَ أَحْتَسِبُ على الله أَنْ يُكفِّرَ السَّنَةَ التي قبله وَالسَّنَةَ التي بعده(.

وكذلك من خصائص هذه الأيام المباركة أنْ خَتَمَها الله بيوم الأضحى وهو يومُ الحج الأكبر ومن أَعظَمِ الأيام عند الله؛ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: )إِنَّ أَعْظَمَ اْلأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ...( رواه أبو داود، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: وَقَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ وَقَالَ:)  هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ ( رواه البخاري.

 فاللهم إنا نسألك حسنَ الالتزامِ بشريعَتِك والاقتداءِ بسنةِ نبيك، آمين، و الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:
         الحمد لله على إحسانهِ والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

          أما بعد، عباد الله: إِنَّ مِنَ الأعمال المشروعة في هذه الأيامِ العشرِ المباركةِ صيامُ هذه الأيام - باستثناء يومِ الأضحى لأنه يومُ عيدٍ - أو صيامُ مَا تيسر منها وخصوصًا صيامُ يومِ عرفة لغير الحاج، أما الحاجُّ فلا يجوز له الصيام؛ وكذلك يُسْتَحَبُّ في هذه الأيام الإكثارُ من ذِكرِ الله تحميدًا وَتَهْلِيلاً وَتَكْبِيرًا، أخرجَ الإمامُ أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: )ما مِن أيَّامٍ أَعظَمَ عِندَ اللهِ، ولا أَحَبَّ إلَيهِ مِنَ العملِ فيهِنَّ مِن هذِه الأَيَّامِ العَشرِ؛ فأَكثِرُوا فيهِنَّ مِنَ التَّهليلِ، والتَّكبيرِ، والتَّحميدِ(

       أخوة الإيمان: لقد شَرَعَ اللهُ تعالى في هذه الأيام أداءَ الحجِّ والعمرة لِـمَنِ استطاع ذلك بَدَنِيًّا وَمَالِيًّا وقانونيًّا؛ وشُرِعَ أيضا ذَبْحُ أُضحيةِ عيدِ الأضحى في اليومِ العاشرِ من ذي الحجة لمنِ استطاع ذلك من دون أن يُكَلِّفَ نَفْسَهُ ما لا تطيق ولا قُدرةَ لَهُ به، وَنَأْسَفُ لِـمَا أصبحنا نسمعُ عنه اليوم من حوادثَ تقع بسبب أضحية العيد؛ فهناك مَنْ يَنْتَحِرُ بسبب ذلك، وهناك من يبيعُ أثاثَ منزلِهِ من أجل شرائها أو يقترض لأجل ذلك قرضًا رِبَوِيًّا، وهناك من تخاصمتْ مع زوجها وافْتَرَقتْ عنه لأنه لم يَشْترِ لها كَبْشًا مَلِيحًا تَتَبَاهَى به أمام الجيران والصديقات.

       أحبتي الكرام: أكثروا في هذه الأيام العشر المباركة من الصلاةِ والصيامِ وتلاوة القرآن والاستغفارِ والتوبة من الذنوب والمعاصي، ومن الصدقة والإحسانِ إلى الفقراء والمُحتاجين وخاصة بالانخراط والمساهمة في شراء أُضحية العيد للأُسَرِ المُعْوِزةِ التي لا تقدرُ على ذلك، حتى تنالوا الأجرَ والثواب المُضاعفَ بإذن الله تعالى؛ قال الله تعالى: )إِنَّ اَ۬لْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَٰتِ وَأَقْرَضُواْ اُ۬للَّهَ قَرْضاً حَسَناٗ يُضَٰعَفُ لَهُمْ وَلَهُمُۥٓ أَجْرٞ كَرِيمٞۖ( سورة الحديد، الآية17.

فاللهم وَفِّقْنا لِحُسْنِ طاعتك وعبادتك ... اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال..

اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم... اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد...

وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.

اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.

اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل سوء وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب العالمين.

اللهم إنَّا ندعوك في أحسن الأيام عندك وهو يوم الجمعة وفي أحبِّ البيوتِ إليك وهو بيتك الكريم، اللهم مَنْ كان من الحاضرين  له طلبٌ فاقْضِهِ له .. ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه دينه...

اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين...

 ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار... سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

كتب الخطبة العبد الفقير إلى الله الأستاذ لعبيد محمد ياسين، خطيب مسجد السنة بفاس وأستاذ مادة التربية الإسلامية للثانوي التأهيلي، وذلك يومه الخميس 30 ذو القعدة 1443ه الموافق 30 يونيو 2022م.


تعليقات

التنقل السريع