القائمة الرئيسية

الصفحات


 

                     خطبة الجمعة 19 العشرُ الأواخر من رمضان وليلةُ القدر

الخطبة الأولى:
      بسم الله الرحمان الرحيمالحمدُ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين:

        أما بعد عباد الله:  ها نحنُ على أبوابِ العشرِ الأواخِرِ من رمضان، خِتامِ الشهر وَوَدَاعِه، وقد كان النبي وصحابتُهُ الكرام يهتمون بهذه الأيام العشرِ الأواخر من رمضان، ففي الحديث المتفق عليه عن أمِّ المؤمنين عائشة رضيَ الله عنها أنها قالت: " كان رسول الله إذا دخل العشرُ أحْيَا الليل، وأيقظَ أهله، وجَدّ،َ وشدَّ المِئزر"، وقال الحافظُ ابنُ رجبٍ في كتاب لطائف المعارفِ: " كان النبيُّ يخصُّ العشر الأواخرَ من رمضان بأعمالٍ لا يَعْمَلُها في بقية الشهر"؛ فانظروا – رحمكم الله – إلى حال سيِّدِ الخلق سيدنا محمد في هذه العشر الأواخر من رمضان مع أنه قد غُفرَ له ما تقدم وما تأخر من ذنبه، فقد كان يجتهدُ فيها ما لا يجتهدُ في غيرها، وذلك ليغنَمَ بفضلِ وأجر هذه الأيام والليالي المباركة.

        أيها الإخوة المؤمنون: إنَّ كثيرًا من الناس اليومَ حين تدخُلُ العشرُ الأواخر يعتبرون أنَّ رمضان قدِ انقضى، فيتكاسلون عن الطّاعةِ ويتقاعَسُونَ عن العبادة؛ وينشغلون في اللَّهوِ والعَبَث والتَّسَكُّعِ في الشوارع والأسواق والسَّهَرِ أمام الشاشات لمشاهدة الأفلام والمسلسلات ومباريات الكرة والبرامجِ التافهة؛ويَنْسَوْنَ أنَّ أفضل أيامِ رمضانَ العشرُ الأواخرُ منها، لأنها خواتمُ أعمالِهِ وخيرُ الأعمال خواتمُهَا؛ ولأنه يُوجدُ فيها ليلةٌ أجرها وفضلها خيرٌ من ألفِ شهر ؛ إنها ليلةُ القدر، قال الله تعالى في سورة القدر: " اِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ فِے لَيْلَةِ اِ۬لْقَدْرِۖ (1) وَمَآ أَدْر۪يٰكَ مَا لَيْلَةُ اُ۬لْقَدْرِۖ (2) لَيْلَةُ اُ۬لْقَدْرِ خَيْرٞ مِّنَ اَلْفِ شَهْرٖۖ (3)".

        أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: ما هي الأعمالُ الصالحةُ التي ينبغي الإكثارُ منها في هذه العشر الأواخرِ من رمضان؟

- أولا: الاعتكافُ في هذه العشر الأواخر – لمن تيسَّرَ له ذلك بما لا يُضيِّعُ به حقوق أسرته أو أداءَ حقوقِ الناس - ، فقد روى الإمامان البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: " أن النبي كان يعتكفُ العشر الأواخرَ من رمضان حتى توفاهُ الله عز وجل".

- ثانيا: إحياءُ ليالي هذه الأيام العشرِ بالإكثارِ من الصلاة والدعاء وقراءة القرآن والاستغفار، لعلَّ الإنسانَ يُصادفُ ليلة القدر والتي توجدُ في ليلةٍ من هذه الليالي العشر، فيفوزَ الإنسان ويَغنمَ بأجرِ عُمُرٍ كاملٍ، فألفُ شهرٍ يعادل ثلاثا وثمانين سنة وأربعة أشهر...، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"؛ فلا ينبغي  إذن – أحبتي الكرام-  تضييعُ هذه الفرضة الثمينة والتي قد لا تُعَوَّضُ إن لم نكن من الأحياء في رمضان القادم.

- ثالثا: مشاركةُ العبادات مع الأهل من أجل تحفيزهم على العبادة والطاعة في هذه الأيام المباركة؛ فقد كان النبي يوقِظُ أهله إذا دخلتِ العشرُ الأواخر من رمضان كما أخبرتنا بذلك أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الحديث الذي ذكرناه سابقا، وقد وردَ في الترغيب في إيقاظِ أحد الزوجين صاحبَه للصلاة في قيام الليل في الحديث الذي رواه أبو داوود في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ " رحِمَ اللَّه رَجُلا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ، فصلىَّ وأيْقَظَ امرأَتهُ، فإنْ أَبَتْ نَضحَ في وَجْهِهَا الماءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامتْ مِن اللَّيْلِ فَصلَّتْ، وأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فإِن أَبَى نَضَحَتْ فِي وجْهِهِ الماءَ "

- رابعا: الحرصُ على ختمِ القرآن في هذه الأيام العشر لأكثر من مرة - إن كان ذلك في استطاعة المسلم- اقتداءً بالسلف الصالح رضوان الله عليهم.

- خامسا: الإلحاحُ في الدعاء، والإكثارُ من فعلِ الخيرِ، وتجنبُ ملذاتِ الحياة وشهواتها على اختلاف أنواعها.

فاللهم وَفِّقِنا لحسنِ طاعتك وعبادتك، آمين، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:
          الحمد لله الذي أكرمنا في رمضان بالعشر الأواخر، وبِلَيْلَةٍ أجرُها بألف شهر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأكابر، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

          أما بعد عباد الله: إنَّ أعظمَ ليلةٍ في العشرِ الأواخر من رمضان هي ليلةُ القدر التي نزلَ فيها القرآنُ، قال تعالى في سورة الدخان: " إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ فِے لَيْلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۖ اِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَۖ (2("؛ وهي خيرٌ من ألف شهر يكثرُ فيها تنزٌّلُ الملائكة، قال تعالى في سورة القدر: " لَيْلَةُ اُ۬لْقَدْرِ خَيْرٞ مِّنَ اَلْفِ شَهْرٖۖ (3) تَنَزَّلُ اُ۬لْمَلَٰٓئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٖۖ (4)" ؛ ويغفرُ الله فيها ما تقدَّمَ من الذنوب لمن قامها إيمانا واحتسابا، روى الإمامان البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال: " مَنْ يَقُمْ ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفرَ له ما تقدم من ذنبه".

        أيها الإخوة المؤمنون: لقدِ اختلفَ العلماء في تحديد وقتها؛ فمنهم من قال: هي في السَّنَةِ كُـلِّهَا، ومنهم من قال: هي في رمضان، ومنهم من قال: هي في العشر الأواخر، ومنهم من قال: هي في الوِتْرِ من العَشْرِ الأواخر، ومنهم من قال: هي ليلةُ السابع والعشرين استنادا إلى بعض الأحاديث منها ما رواه الإمامُ مسلم عن أُبَيٍّ بن كعب رضي الله عنه أنه قال في ليلة القدر: "واللهِ إنِّ لأعلمها، وأكثرُ عِلمي هي الليلةُ التي أمرنا رسول الله بقيامها، هي ليلةُ سبعٍ وعشرين"؛ ولكنَّ الراجحَ من هذه الأقوال وذهبَ إليه أكثرُ الصحابة وجمهورُ علماء المسلمين أنها في الوِتْرِ من العَشْر الأواخر من رمضان وأنها تنتقلُ في كل عام وليست ثابتة في ليلة معينة، فقد روى البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: « تَحَرَّوْا ليلة القَدْر في الوِتْرِ من الْعَشْرِ الأوَاخِرِ ».

والخلاصةُ من هذه الأقوال أنَّ المؤمن الذي يريدُ أن يُصيبَ ليلةَ القدر عليه أن يَتحرَّاها في كل الليالي العشر بسبب اختلافِ مطلعِ شهر رمضانَ بين البلدان، وتبقى الحكمة من إخفائها هي أن يجتهد الناس في طلبها بالعبادة والطاعة في كل الليالي العشر، ولا يقتصرون على الاجتهاد في العبادة في ليلة واحدة.

        فَاحْذروا – رحمكم الله – من التكاسلِ في هذه العشر الأواخر من رمضان، واجتهدوا فيها بالعبادة والطاعة والإلحاح في الدعاء، ومن ذلك الدعاء المأثور عن النبي الذي كان يقوله في هذه الأيام : " اللهم إنك عفوٌّ تُحِبُّ العفو فاعفُ عني".

فاللهم أَعِنَّا على حسن الصيام والقيام وَوَفِّقنا لحُسنِ عبادتك يا رب العالمين.. اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال..

اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم... اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم ، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد...وارض اللهم عن الخلفاء  الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.

اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.

اللهم إنَّا ندعوك في أحسن الأيام عندك وهو يوم الجمعة وفي أفضلِ الأشهر شهرِ رمضان وفي أحبِّ البيوتِ إليك وهو بيتك الكريم ، اللهم مَنْ كان من الحاضرين  له طلبٌ فاقْضِهِ له .. ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه دينه...

اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين... ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار... سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

كتب الخطبة العبد الفقير إلى الله الأستاذ لعبيد محمد ياسين، خطيب مسجد السنة بفاس وأستاذ مادة التربية الإسلامية للثانوي التأهيلي، وذلك يومه الخميس 19 رمضان 1443ه الموافق 21 أبريل 2022م.

تعليقات

التنقل السريع