خطبة الجمعة 33 : معنى الرجولة
الخطبة الأولى
بسم الله الرحمان الرحيمالحمدُ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَۖ (، ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (، )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.
أما بعد عباد الله: يخلطُ كثيرٌ من
الناس بين مفهومي الذكورة والرجولة، فيعتقدون أن الأولى معبرة عن الثانية وأن
الرجولة صفةٌ خاصةٌ بالذكور دون الإناث، وهذا خلط واضح بين المفهومَيْنِ؛ فالذكورة هي فقط ضد الأنوثة، أما الرجولة فشيء مختلف
تمامًا فهي صفة قد تتوفر في الذكر
والأنثى على السواء؛ لذلكم وبسبب هذا الخلط الواضح أتحدثُ اليوم – إن شاء الله – عن معنى الرجولة؛ قد يتساءل البعضُ: لماذا الحديثُ عن الرجولة؟ هل الموضوعُ
مهم لهذه الدرجة؟ فأجيب عن ذلك بأن الأمةَ الإسلامية اليوم هي في حاجةٍ ماسَّةٍ
إلى الرجال الحقيقين الذين تتوفر فيهم صفاتُ الرجولة الحقة، خاصة وإن الأمة
الإسلامية اليوم تبحث عن استرجاع عِزَّتها ومكانتها التي كانت عليها، وإنَّ الأُمَمَ
لا تقومُ إلا على أكتاف الرجال.
أيها
المؤمنون والمؤمنات: اختلف المسلمون اليوم في فهم معنى الرجولة؛ فمنهم من يفسرها بالقوة والقدرة على جمع المال سواء من حلال
أو من حرام، فالمهم عنده أن يحصل على مالٍ كثيرٍ حتى لو جاء هذا المال من الغش أو
الكذب أو الرشوة أو أكل أموال الناس بالباطل أو أكل مال اليتيم...، فلا تهمه
الطريقة والوسيلةُ حتى لو كان فيها إلحاق الأذى بالناس، وإنما المهم عنده أن يكون
عنده مالٌ كثيرٌ لِتَتَحَقَّقَ فيه صفةُ الرجولة كما يعتقد؛
ومن الناس من يرى أن الرجولة في الجاهِ والسلطة، فتراهُ يحرصُ كلَّ الحرصِ على أن يَعتليَ المناصبَ العليا ويبذلَ من أجل ذلك كل الطرقِ
والوسائل كانت مشروعة أو غير مشروعة، ويا ليته استغلَّ مَنصِبَهُ في الخير وقضاء
حوائج الناس، وإنما للأسفِ يستغله في التكبر على الناس وقهرهِم وظُلمهم، ويرى نفسه
بذلك رجلا.
أيها المسلمون والمسلمات: هناك من يفهم الرجولة على أنها في القوة الجسدية وانتفاخِ العضلاتِ، فتجدُهُ يتردد على صالات الرياضة
وكمالِ الأجسام من أجل نَفْخِ عضلاته حتى يستعرضها على الناس الضعفاء ويعتديَ على
حقوقهم وأموالهم بالغصبِ والإكراهِ ( ظاهرة السرقة وقطع الطريق وضرب الوالدين
والزوجة نموذجا )، ويا ليته استعمل هذه القوةَ في الخير ومساعدة الناس
المحتاجين والضعفاء؛ وآخرون يرون الرجولة في الشُّهْرَةِ وانتشار سُمعته بين الناس،
ولا يهمه في ذلك أكانتِ الشهرةُ في خيرٍ أم في شرٍّ، فنجد مثلا من يخرجُ إلى
الشارع عاريا من أجل الشهرة، ومن يُسَخِّرُ حياتَهُ كلَّها في الغناء والرقص
واللعب فقط من أجل أن يشْتَهِرَ بين
الناس.
أيها الإخوة المؤمنون: لقد حدَّدَ القرآن الكريمُ مفهومَ الرجولة في جملةٍ
من الصفات أذكر بعضها:
- من يتصف بالرجولة هو الصادق مع الله ومع نفسه ومع الناس، قال
الله تعالى: ) مِّنَ اَ۬لْمُومِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا
عَٰهَدُواْ اُ۬للَّهَ عَلَيْهِۖ فَمِنْهُم مَّن قَض۪يٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّنْ
يَّنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاٗ( سورة الأحزاب، الآية:23؛ فالصادق مع الله ومع نفسه وغيره
هو الثابت على مبادئه وعلى دينِ الله دون تغيير أو تبديل.
- من يتصفُ بالرجولة هم أهلُ المساجد الذين يحافظون على الصلاة
في وقتها وعلى القيامِ بكل أوامر الله واجتناب نواهيه، قال الله تعالى: ) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ اَ۬للَّهِ مَنَ اٰمَنَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ اِ۬لَاخِرِ وَأَقَامَ اَ۬لصَّلَوٰةَ وَءَاتَي اَ۬لزَّكَوٰةَ وَلَمْ
يَخْشَ إِلَّا اَ۬للَّهَ فَعَس۪يٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ أَنْ يَّكُونُواْ مِنَ
اَ۬لْمُهْتَدِينَۖ( سورة التوبة، الآية:18
اللهم نَوِّرْ طريقنا للخير واهدنا إلى
الفلاح والصلاح، نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين وبحديث سيِّدِ الأوَّلينَ والآخِرِين،
وغفرَ الله لي ولكم ولِسائرِ المسلمين، آمين، و الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، والعَاقِبةُ لِلْمُتَّقينَ، ولَا عُدْوانَ إلَّا عَلَى الظَّالِمينَ، أَحمَدُه تَعَالَى حَمْدَ الشَّاكرينَ، وأستَغفِرُه استِغفَارَ المُنيبِينَ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لَا شَريكَ لهُ، إِلَهُ الأوَّلينَ والآخِرِينَ، وَقَيُّومُ يومِ الدِّينِ، وأَشهدُ أنَّ سيدنا مُحمدًا الأَمِينَ عبدُه ورسولُه إلى العَالَمينَ، صَلواتُ اللهِ وسلامُه عَلْيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحبِه والتَّابعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
أما بعد، عباد الله: إن من يتصف
بالرجولة هو من يُؤْثِرُ آخرته على دنياه في حال حصلَ تعارضٌ بين العمل لدنياه
والعمل لآخرته (البيع والصلاة)، فالذي يتصف بالرجولة يترك الدنيا ويُقبِلُ على
الآخرة لقول الله تعالى: ) رِجَالٞ لَّا
تُلْهِيهِمْ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اِ۬للَّهِ وَإِقَامِ اِ۬لصَّلَوٰةِ
وَإِيتَآءِ اِ۬لزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوْماٗ تَتَقَلَّبُ فِيهِ اِ۬لْقُلُوبُ
وَالَابْصَٰرُ ( سورة النور، الآية:36.
أخوة الإيمان: إنَّ من يتصف بالرجولة هو من يُحسِنُ توجيه وتدبير بيتِهِ وأهلِه ويُراعي
حقوق الله فيهم فلا يظلمهم ولا يعتدي عليهم، قال الله تعالى: ) اِ۬لرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَي اَ۬لنِّسَآءِ
بِمَا فَضَّلَ اَ۬للَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَيٰ بَعْضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنَ
اَمْوَٰلِهِمْۖ (سورة النساء الآية34؛ فغريبٌ أنه أصبحنا نسمع
بذكور (ولا أُسميهم رجالا) يدفعون بِنِسائهم للعمل في المعاملِ والبيوتِ من أجل أن
تُنْفِقَ عليه وعلى بيته وأولاده، ويبقى هو متكِئًا في البيت أو جالسا في المقهى
مع أصدقائه يلهو ويلعب ثم يسمي نفسه رجلا.
أيها المسلمون والمسلمات: ينبغي أن نُربِّيَ أولادنا على سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى سيرةِ
صحابته الكرام الذين كانوا رجالاُ حقيقين أمثالَ أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان
بن عفان وعلِيٍّ بن أبي طالب وأبي عبيدة الجراح وغيرهم كثير، وعلى سيرة التابعين أمثال
عمرَ بن عبد العزيز وصلاحَ الدين الأيوبي وغيرهم ممن نصر الله بهم دينه وكانوا حقًّا
رجالا يُعتمدُ عليهم؛ لا أن نُربيهم
على سيرة المشاهيرِ من الفَنَّانينَ والرياضيِّينَ فهؤلاء ليسوا قدوةً لنا
ولأولادنا، هم قدوةٌ لأنفسهم اختاروا طريقا وساروا فيه.
فاللهم هَيِّئْ لهذه الأمة رِجالاً
يرفعون رايتها ويُعيدونَ مجدها ... اللهم إنَّا نسألك الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قول وعمل ونعوذُ بك اللهم من النَّارِ
وما قَرَّبَ إليها من قولٍ وعمل ... اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك
الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال..
اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن
الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم...
اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل
سيدنا إبراهيم، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على
سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد... وارض اللهم
عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم
وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي
تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه
الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.
اللهم
أصلح أطفالنا
وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا
من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.
اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل سوء
وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب
العالمين.
اللهم
مَنْ
كان من الحاضرين له طلبٌ فاقْضِهِ له ..
ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه
دينه... اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين
وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين...
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن
من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
وقِنا عذاب النار... سبحان
ربك رب
العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق