القائمة الرئيسية

الصفحات


 

خطبة الجمعة 35محمد صلى الله عليه وسلم الرسول الإنسان -1-

الخطبة الأولى:
           الحمدُ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَۖ (، ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (،  )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.

     أما بعد عباد الله: نحنُ في شهرِ ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم – شهرِ ربيعِ الأول -، لذلكم أحببت أن أقفَ في خُطَبِ هذا الشهر – إن يسَّر الله تعالى وكان في العُمُرِ بقيَّةٌ -  عندَ الجوانبِ الإنسانية في حياة خير البرية سيدنا وحبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وذلك لنتعرف إنسانيةَ خيرِ إنسانٍ علَّمَ الإنسانيةَ القيمَ والأخلاقَ الإنسانية، خاصةً وأننا أصبحنا نعيش في هذا العصر أزمةَ إنسان.

      أيها المؤمنون والمؤمنات: لقد كان الحبيب المصطفى صلواتُ ربي وسلامهُ عليه إنسانا في التشريعِ لأمته، وإنسانًا في التعاملِ مع المُخطئين والمُذنبين، وإنسانا في التعاملِ مع زوجاته، وإنساناً في معاملته لأطفاله وأطفالِ المسلمين، وإنسانًا عند تعامله مع غير المسلمين، وإنسانًا حتى مع الحيوانِ والجمادِ؛ ويأتي اليومَ من يُزَايِدُ علينا في الإنسانية باتِّهامِ ديننا والمسلمينَ بعدمِ الإنسانيةِ، وأنه دينُ العنفِ مع الإنسانِ والحيوانِ والبيئة.

       أيها المسلمون والمسلمات: إن المتأملَ في التشريعاتِ التي جاء بها رسولنا الحبيبُ لَيَلْمسُ فيها الجانبَ الإنسانيَّ الذي يُقَدِّرُ إنسانيَّةَ المُسلمِ ويُرَاعي طاقته وقُدرته، لذلكَ جاءتِ التشريعاتُ قائمةً على اليُسرِ والمرونة ورفعِ الحرجِ والرحمة والرفقِ بالمُكَلَّفِ؛ أخرج الشيخان البخاري ومسلم عن عائشةَ رضيَ الله عنها قالت : ) ما خُيِّرَ  رسول الله بين أمرينِ قطُّ إلا أخذَ أيسرَهُمَا، مالمْ يكنْ إثما، فإن كانَ إثمًا كان أبعدَ الناس منه (، فلْنُقارنْ منهجَ النبي في اختياره الأيسرَ من الأمور مع منهجِ البعض اليوم والذين لا يملكون من العلم إلا قليلا، فإن سُئلوا في مسألةٍ أجابوا بأعسرِ الأقوالِ وأشَدِّها على الإنسان، دون مراعاةٍ لإنسانيَّةِ الإنسان المُتَّصِفِ بالضَّعفِ والخطإ والنِّسيان.

    أيها الإخوة المؤمنون: روى الإمامُ البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

)جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ - أيْ رجالٍ -  إلى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يَسْأَلُونَ عن عِبَادَةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقالوا: وأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! قدْ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأَخَّرَ، قالَ أحَدُهُمْ: أمَّا أنَا فإنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أبَدًا، وقالَ آخَرُ: أنَا أصُومُ الدَّهْرَ ولَا أُفْطِرُ، وقالَ آخَرُ: أنَا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فلا أتَزَوَّجُ أبَدًا، فَجَاءَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليهِم، فَقالَ: أنْتُمُ الَّذِينَ قُلتُمْ كَذَا وكَذَا؟! أَمَا واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي(؛ فغرضُ النبي من استنكاره على هؤلاء الثلاثة هو التخفيفُ عنهم وعنْ أمته مراعاةً لإنسانيتهم، وحتى لا يُكَلِّفوا أنفُسَهم ما لا تطيقُ ولا تقدرُ عليهِ، لأن الإنسان بطبعه وضَعْفهِ لا يستطيعُ أن يبقى مُسْتمرا على هذا النَّفَسِ، قال الله تعالى في سورة النساء: )يُرِيدُ اُ۬للَّهُ أَنْ يُّخَفِّفَ عَنكُمْۖ وَخُلِقَ اَ۬لِانسَٰنُ ضَعِيفاٗۖ  (الآية :28.

 فاللهم ارزقنا محبتك ومحبة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم وَوَفِّقْنَا لِحُسْنِ الاقتداء به واتباعه، نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين وبحديث سيِّدِ الأوَّلينَ والآخِرِين، وغفرَ الله لي ولكم ولِسائرِ المسلمين، آمين، و الحمد لله رب العالمين.


الخطبة الثانية:

         الحَمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، والعَاقِبةُ لِلْمُتَّقينَ، ولَا عُدْوانَ إلَّا عَلَى الظَّالِمينَ، أَحمَدُه تَعَالَى حَمْدَ الشَّاكرينَ، وأستَغفِرُه استِغفَارَ المُنيبِينَ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لَا شَريكَ لهُ، إِلَهُ الأوَّلينَ والآخِرِينَ، وَقَيُّومُ يومِ الدِّينِ، وأَشهدُ أنَّ سيدنا مُحمدًا الأَمِينَ عبدُه ورسولُه إلى العَالَمينَ، صَلواتُ اللهِ وسلامُه عَلْيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحبِه والتَّابعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ.

          أما بعد، عباد الله: إنَّ إنسانيةَ النبي صلى الله عليه وسلمَ كانتْ حتى مع المُخطئينَ والمُذْنبينَ مِنْ أُمَّتِه، فَلَمْ يكنْ صلى الله عليه وسلم يُعَنِّفُهم أوْ يَستغلُّ الفرصة لعقابهم أوْ يُخْرِجُهُم من الإسلام ويَتَّهِمَهُم بالكفر لأنه أخطأ أوْ تَهَاونَ في الاِلتزامِ بِحُكمٍ من أحكام الشرع، وذلكَ حتى لا يُنَفِّرَهُم من دينِ الله ولا يَسُدَّ بابَ التوبةَ والرجوعِ إلى الله في وُجوههم؛ بل كان صلى الله عليه وسلم رفيقا رحيما بهم، يعذُرُ إنسانية المُخطئِ، وأضربُ لذلك مثالا واحدا فقط – والأمثلة كثيرة على ذلك -، أخرجَ الأئمة البخاري وأحمد والنسائي - واللفظ لهذا الأخير- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

)قام أعرابيٌّ فَبَالَ في المسجدِ ، فتناوله الناسُأيْ أرادوا ضَرْبَهُ وتَعنيفه - ، فقال لهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : دَعُوهُ ، وأَهْريقُوا على بَوْلِه دَلوًا من ماءٍ ، فإنما بُعِثْتُم مُيَسِّرينَ ، ولم تُبْعَثوا مُعَسِّرينَ(.

       أخوة الإيمان: اُنظروا – رحِمكم الله – إلى تعامله صلى الله عليه وسلم مع هذا الأعرابيِّ المُخطئِ المُذنبِ وبين تعامُلِنا نحنُ مع المُخطئين، لاحظوا - على سبيل المثال - كيف نُقَابلُ شخصا رَنَّ هاتِفُهُ بالخطإِ، الكلُّ بعدَ الصلاةِ ينظرُ إليه نظرةَ إِرْهابٍ وتخويفٍ وَزَجْرٍ، فلَوْ كانَ حديثَ عهْدٍ بالإسلامِ والصلاةِ والدخولِ إلى المسجد لَنَفَرَ ورجعَ عن الإسلامِ ولما دخلَ إلى المسجدِ مرة ثانية.

        اللهم ارْزُقنا حسنَ الاقتداءِ بِنَبِيِّكَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم واتِّباعِ سيرته ومنهجه... الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال.. اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم... اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد... وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

       اللهم إنَّا نسألك الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قول وعمل ونعوذُ بك اللهم من النَّارِ وما قَرَّبَ إليها من قولٍ وعمل ... اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك.

       اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.

       اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل سوء وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب العالمين.

       اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.

       اللهم مَنْ كان من الحاضرين  له طلبٌ فاقْضِهِ له .. ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه دينه... اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين...

       ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار... سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

كتب الخطبة العبد الفقير إلى الله الأستاذ لعبيد محمد ياسين، خطيب مسجد السنة بفاس وأستاذ مادة التربية الإسلامية للثانوي التأهيلي، وذلك يومه الجمعة 10 ربيع الأول 1444ه الموافق 07 أكتوبر 2022م.

تعليقات

التنقل السريع