القائمة الرئيسية

الصفحات


 

خطبة الجمعة 36محمد صلى الله عليه وسلم الزوج الإنسان -2-

الخطبة الأولى:
     بسم الله الرحمان الرحيم   الحمدُ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَۖ (، ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (،  )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.

     أما بعد عباد الله: وقفتُ بكم في الخطبة الماضية عند إنسانية النبي في التشريع لأمته، حيث بَيَّنْتُ على أن النبي عندما كان يُشَرِّعُ لأمته أو يُسألُ في واقعة مَا كان يُراعي الجانب الإنسان في الإنسان، كان يُراعي أنه إنسانٌ ضعيف جاهِلٌ مُعَرَّضٌ للخطإ والسهو والنِّسيان، وأنه ينبغي لمن يتعرض للإفتاء اليوم ألا يتسرع في تقديم الفتوى قبل أن ينظرَ ويسأل عن حالِ من طلب الفتوى؛ لذلكم – إخواني أخواتي – يلزمنا التمييز بين مهمة الدعوة إلى الله وتبليغ دين الله بقواعده وأحكامه العامة والتي يُوَجَّهُ فيها الخطاب إلى عموم الناس كالخطيب يوم الجمعة والواعظ والمُدرس..، وبين تقديم الفتوى لشخص معين في حالةٍ معينة يجبُ فيه مراعاةُ حالِ المُستفتي.

وتحدثنا أيضا في الخطبة الماضية عن إنسانية النبي في تعامله مع المخطئين والمُذنبين، فقد كان يعذر إنسانيَّتَهم ويعاملُهم برفق ورحمة.  

      أيها المؤمنون والمؤمنات: أنتقلُ بكم إلى جانبٍ آخر من حياة النبي لنكتشفَ فيه إنسانيته أيضا، ألا وهو علاقتُهُ مع زوجاته؛ لقد كان عليه الصلاة والسلام يُراعي عاطفةَ المرأة، وأنها تختلفُ عن الرجل في هذا الجانب، لذلك كان يحرصُ كلَّ الحِرْصِ على إظهار حُبِّهِ لزوجاته، بمعنى أنه كان يُعبِّرُ لهنَّ عن مدى حبِّه لهن بالعبارات والكلمات ولا يخجلُ من ذلك كما نخجل نحنُ اليوم مع نسائنا، ونتيجةُ هذا الخجل – الذي ليس في محله- أنه أصبحَ المُسلمون اليوم يُنْعَتون بكونهم لا يُقَدِّرون فيه المرأة ويعتبرونها مُجرَّدَ شيء لا إنسانا يُحسُّ ويشعر..، في حين لو اقتدينا برسولنا الحبيبِ الزوجِ الإنسانِ لأغلقنا هذه الأفواهَ ولَجَنَّبْنا كثيرا من الأُسَرِ الطلاق بسبب عدم التقدير والاهتمام.

       أيها المسلمون والمسلمات: كان يُسافرُ ويَخرجُ مع زوجاته ليلا للتَّنزُّهِ والحديث، أخرج البخاري ومسلم عن عائشة أمِّ المؤمنين رضي الله عنها قالت: )كانَ رَسولُ اللهِ إذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بيْنَ نِسَائِهِ، فَطَارَتِ القُرْعَةُ علَى عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، فَخَرَجَتَا معهُ جَمِيعًا، وَكانَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا كانَ باللَّيْلِ، سَارَ مع عَائِشَةَ يَتَحَدَّثُ معهَا، فَقالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: أَلَا تَرْكَبِينَ اللَّيْلَةَ بَعِيرِي وَأَرْكَبُ بَعِيرَكِ، فَتَنْظُرِينَ وَأَنْظُرُ؟ قالَتْ: بَلَى، فَرَكِبَتْ عَائِشَةُ علَى بَعِيرِ حَفْصَةَ، وَرَكِبَتْ حَفْصَةُ علَى بَعِيرِ عَائِشَةَ، فَجَاءَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إلى جَمَلِ عَائِشَةَ وَعليه حَفْصَةُ، فَسَلَّمَ ثُمَّ سَارَ معهَا... (؛ أما نحن اليوم -وللأسف – فالزوجةُ نتركها خادمةً في البيت تطهو وتكنُسُ وتُربي الأولادَ، وإن خرجتْ فهي لا تخرجُ مع زوجها، في حين أن المرأة تكون فيحاجة ماسَّةٍ للخروج مع زوجها ولا يُعَوضها عن ذلك أحد.

    أيها الإخوة المؤمنون: كان يُسَامرُ – أي يسهرُ – مع زوجاته ويُحادثهنَّ ويضحك من كلامهنَّ – وليس على كلامِهنَّ احتقارا لها -، بمعنى كان يُعطيهنَّ حقَّهُنَّ من الوقت والحديث، وليس كما نفعل نحن اليوم حيث تجد الرجل يقضي النهار كله في العمل، فإذا انتهى من عمله التحق بأصدقائه في المقهى للسهر معهم، ولا يدخل إلى بيته إلا وقد نامت زوجته وأولاده.  

 فاللهم ارزقنا محبتك ومحبة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم وَوَفِّقْنَا لِحُسْنِ الاقتداء به واتباعه، نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين وبحديث سيِّدِ الأوَّلينَ والآخِرِين، وغفرَ الله لي ولكم ولِسائرِ المسلمين، آمين، و الحمد لله رب العالمين.


الخطبة الثانية:
         الحَمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، والعَاقِبةُ لِلْمُتَّقينَ، ولَا عُدْوانَ إلَّا عَلَى الظَّالِمينَ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لَا شَريكَ لهُ؛ وأَشهدُ أنَّ سيدنا مُحمدًا الأَمِينَ عبدُه ورسولُه إلى العَالَمينَ، صَلواتُ اللهِ وسلامُه عَلْيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحبِه والتَّابعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ.

          أما بعد، عباد الله: تتجلى إنسانية النبي مع زوجاته أيضا في مُساعدتهن في شؤون المنزل، روى ابنُ حِبَّانَ في صحيحه عن أمِّ المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها أنها سُئِلَتْ: )ما كان النَّبيُّ يعمَلُ في بيتِه؟ قالت: كان يَخيطُ ثوبَه ويخصِفُ نعلَه ويعمَلُ ما يعمَلُ الرِّجالُ في بيوتِهم(؛ هكذا كان سيدُ الخلق يعامل زوجاته في البيت، أما في واقعنا فلو ساعدَ الزوج زوجته في أمور المنزل فقد يُتَّهمُ من طرف عائلته بأنه ضعيفُ الشخصية عديمُ الرُّجولة، أو تُتَّهَمُ الزوجةُ وعائلتها بأنها قد سحرتْ لابنهم.

       أخوة الإيمان: إنَّ من أجملِ معاني الإنسانية أيضا في تعاملِ النبي مع زوجاته هو لعبُهُ معهُنَّ ومراعاةُ سِنِّهِنَّ خاصة في الحالة التي يتزوج فيها الرجلُ بامرأةٍ تصغُرُهُ سناًّ، فرسولنا الكريم الذي تزوج بعائشة رضي الله عنها وهي صغيرة السن كان يُراعي فيها هذا الجانبَ، حيثُ كان يشاركُها اللعبَ في بعض الأحيان، ومن أمثلةِ ذلك ما رواه أبو داوود في صحيحه عن أمِّ المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها قالت: )أنَّها كانَت معَ النَّبيِّ في سفَرٍ ، قالت: فسابقتُهُ فسبقتُهُ على رجليَّ، فلمَّا حَملتُ اللَّحمَ سابقتُهُ فسبقَني فقالَ: هذِهِ بتلكَ السَّبقةِ(.

        أيها الأزواج: لقد كان يراعي شعورَ غيرةِ زوجاته عليه ويراعي غَضَبَهُّنَ بصدرٍ رَحْبٍ وبَشاشةٍ وحبٍّ، فلم يثبتْ أنه ضرب إحدى زوجاته قطُّ أو شتمها أو سبَّها كما يفعل بعض الرجال اليوم؛ وكان حريصا على العدل بينهن والإخلاصِ لهنَّ ومراعاةِ نفسيَّتِهِنَّ المتغيرة بعدمِ إهمالهِنَّ خاصة في فترة الحيض، فقد ثبت أن النبي كان يتكئ في حِجرِ عائشة وهي حائض.

        هذا هو رسولنا الكريم الزوج الإنسان، والأمثلة كثيرة جدا في باب تعاملي الإنساني العاطفي مع زوجاته لا يتسع المقامُ لذكرها كلِّها بتفصيل، لكن حسبنا ما ذكرناه في هذه الخطبة لعلنا ننتفعُ به -إن شاء الله – فنُحَسِّنَ علاقتنا مع زوجاتنا.

       فاللهم ارْزُقنا حسنَ الاقتداءِ بِنَبِيِّكَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم واتِّباعِ سيرته ومنهجه...

       اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم... اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد... وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

       اللهم إنَّا نسألك الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قول وعمل ونعوذُ بك اللهم من النَّارِ وما قَرَّبَ إليها من قولٍ وعمل ... اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك.

       اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.

       اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل سوء وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب العالمين.

       اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.

       اللهم مَنْ كان من الحاضرين  له طلبٌ فاقْضِهِ له .. ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه دينه... اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين... ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار... سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

كتب الخطبة العبد الفقير إلى الله الأستاذ لعبيد محمد ياسين، خطيب مسجد السنة بفاس وأستاذ مادة التربية الإسلامية للثانوي التأهيلي، وذلك يومه الخميس 16 ربيع الأول 1444ه الموافق 13 أكتوبر 2022م.


تعليقات

التنقل السريع