القائمة الرئيسية

الصفحات

خطبة الجمعة 37محمد صلى الله عليه وسلم الرسول الإنسان -3-

 الخطبة الأولى:
        بسم الله الرحمان الرحيم   الحمدُ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَۖ (، ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (،  )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.

     أما بعد عباد الله: ما زِلْنا – إن شاء الله – مع سلسلة الخُطَبِ التي خصصتها – في هذا الشهر الكريم – لإبرازِ بعضِ مظاهر وَصُوَرِ إنسانية الرسول ، فَبَعْدَ حديثنا عن إنسانية رسولنا الكريم في التشريع لأمته وفي التعامل مع المذنبين والعُصاة، وعن إنسانيته في معاملته لزوجاته؛ أتحدث اليوم – إن شاء الله – عن جوانب أخرى وذلك باختصار.

      أيها المؤمنون والمؤمنات: لقد كان عليه الصلاة والسلام إنساناً في معاملته لأطفاله وأطفال المسلمين، حيث كان يُداعبهم ويلاطفهم ويُقَبِّلُهم ويَحْضُنُهُم، وكان أيضا يُراعي حداثَةَ سِنِّهِمْ وعدمَ تقديرهمْ للخطإِ من الصواب، فكان يصبر على خطئهم ويجدُ لهمُ العذر ولا يعاقبهم من أول مرة ؛ هذه الأمور – وللأسف – لا نُطبقُ منها شيئا في تعاملنا مع أطفالنا وأطفال المسلمين – إلا من رحم الله -، لذلكم لا نستغربْ من القسوة التي أصبحت في قلوب أولادنا عندما يكبرون، فالخطأ منا إذْ لما كانوا صغارا لم نرحمهم ولم نعطف عليهم ولم نُشعرهم بمحبتنا لهم، لذلكم ينبغي – أيها الأحبةُ – أن نقتديَ بالرسول في تعامله مع أطفاله وأطفال المسلمين؛ وأضربُ مثالا على تقصيرنا في حسن التعامل مع الأطفال سواء كانوا أبناءنا أو أبناءَ الغير ، وهي عندما يدخل الأطفال إلى المسجد اليوم لأداء الصلاة فيقومون بالضحك وربما اللعب – بحكم أنهم في سنٍّ لا يفرقون فيه بين الصواب والخطإ -، كيف نُقابل تصرفهم هذا هل بالمعاملة الحسنة أم بالانتفاضة والاحتجاج عليهم وضربهم وطردهم من المسجد؟، للأسف فالجواب واضح وهو ما نلاحظه في رَدّ فِعْلِ كثير من الناس عندما يُخطئُ الأطفال في المسجد، حيث تجدهم ينهرونهم ويطردونهم من المسجد، في وقتٍ نحنُ في أمسِّ الحاجة إلى أن نُحَبِّبَ أطفالنا في بيوت الله ونعلقهم بها لا أن نُنَفِّرَهم منها، خاصة وأن الأطفال اليوم يجدون أنفسهم مُرَحَّبًا بهم في أماكنِ اللهو والفسوق والفجور؛ لقد كان الأطفال يدخلون المسجد في عهد النبي بل ويلعبون فيه، وما ثبت أن النبي نهى عن دخولهم، ويدلُّ على ذلك ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: ) خَرَجَ عَلَيْنَا النبيُّ وأُمَامَةُ بنْتُ أبِي العَاصِ – بنتُ زينبَ بنتِ رسول الله - علَى عَاتِقِهِ، فَصَلَّى، فَإِذَا رَكَعَ وضَعَ، وإذَا رَفَعَ رَفَعَهَا(.

       أيها المسلمون والمسلمات: لقد وصلتِ الإنسانية بالنبي أقصاها حينما قدم الجانبَ الإنساني نحو الأبوين على القيام ببعض التكاليف والواجبات الهامة في مصير الأمة مثل الجهاد في سبيل الله عند الضرورة، أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمروٍ – رضي الله عنهما – قال: )جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يَسْتَأْذِنُهُ في الجِهَادِ فَقالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَفِيهِما فَجَاهِدْ(.

       أيها الإخوة المؤمنون: كان إنسانا حتى مع غيرِ المسلمين من أعدائه وهم في حالةِ حربٍ حتى لا يُزايدَ علينا أحدٌ اليوم في الإنسانية؛ فقد كان يوصي جنوده بألا يقتلوا مَدَنيًّا – أي شخصا لا يريد قتالا -، ولا يقتلوا شيخا ولا امرأةً غير مقاتلة، ولا طفلا ولا عابدا مُنْقطعا للعبادة، ولا عالما منقطعا للعلم؛ هذه الوصايا نفسُها أَقَرَّتها اليومَ الأعرافُ الدولية، ولكنِ السؤالُ: هل تُحترمُ هذه الأعرافُ اليومَ من طرف الدولِ التي تدخل في حربٍ؟ أظن أن ما يجري من إبادةٍ ووحشيةٍ في كثير من المناطق التي شهدت حروبًا لهو خيرُ دليل على أنهم أبعدُ ما يكونُ عن احترامِ هذه القيم والمبادئ في الحروب، ثم يتهمون الإسلامَ والمسلمين بالإرهابِ واللإنسانية وهم إلى ذلك أقرب.

        فاللهم ارزقنا محبتك ومحبة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم وَوَفِّقْنَا لِحُسْنِ الاقتداء به واتباعه، أقول ما تسمعون،وغفرَ الله لي ولكم ولِسائرِ المسلمين، آمين، و الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:
         الحَمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، والعَاقِبةُ لِلْمُتَّقينَ، ولَا عُدْوانَ إلَّا عَلَى الظَّالِمينَ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لَا شَريكَ لهُ؛ وأَشهدُ أنَّ سيدنا مُحمدًا الأَمِينَ عبدُه ورسولُه إلى العَالَمينَ، صَلواتُ اللهِ وسلامُه عَلْيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحبِه والتَّابعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ.

          أما بعد، عباد الله: لمْ تقتصِرْ إنسانيةُ النبي على عالمِ الإنسانِ، بلِ امتدَّتْ إلى عالَمِ الحيوان والجماد؛ فقد كان يَعتبرُ الحيوانَ كائناً ذا روحٍ يُحِسُّ بالجوع والعطش، ويتألم بالمرض والتعب ويُدركه ما يُدركُ الإنسان من أمراضِ الجسد، لذلك كان تتألم نفسه ويرِقُّ قلبُه لحيوانٍ أَلَمَّ به الجوعُ ونَالَ منه الحُهْدُ، روى أبو داوودَ في سننه عن سهلٍ الأنصاري – رضي الله عنه - قال: )مَرَّ رسولُ اللهِ بِبَعِيرٍ قد لَحِقَ ظَهْرُه ببَطْنِه، فقال اتَّقوا اللهَ في هذه البهائمِ المُعجَمةِ ( أي التي لا تتكلم )، فاركبوها صالحةً، وكُلُوها صالحةً(؛ وتصلُ الإنسانية بالنبي إلى أن يوصينا حتى في عملية ذبح وقتل الحيوان، روى أبو داوودَ في سننه أيضا عن أبي يعلى شدادٍ بنِ أوسٍ – رضي الله عنه – عن رسول الله قال: ) إنَّ اللهَ كتَبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ، فإذا قتَلتُم فأَحْسِنوا القِتْلةَ، وإذا ذبَحتُم فأَحْسِنوا الذَّبْحَ، ولْيُحِدَّ أحَدُكم شَفْرتَه، ولْيُرِحْ ذَبيحتَه(؛ فقارنوا – رحمكم الله – وصيةَ النبي بالحيوان مع ما يفعله بعضُ دعاةِ حقوق الحيوان أحياءٍ وأمواتا.

       أخوة الإيمان: أما عن إنسانية النبي ﷺ بالجماد، فلا يخفى عليكم قِصَّةَ حنينِ الجذعِ شوقا إلى رسول الله وإلى الذِّكْرِ، روى الإمام البخاري عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال: )أنَّ امْرَأَةً مِنَ الأنْصَارِ قالَتْ لِرَسولِ اللَّهِ : يا رَسولَ اللَّهِ، ألَا أجْعَلُ لكَ شيئًا تَقْعُدُ عليه؟ فإنَّ لي غُلَامًا نَجَّارًا قالَ: إنْ شِئْتِ، قالَ: فَعَمِلَتْ له المِنْبَرَ، فَلَمَّا كانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ قَعَدَ النَّبيُّ علَى المِنْبَرِ الَّذي صُنِعَ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ الَّتي كانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا، حتَّى كَادَتْ تَنْشَقُّ، فَنَزَلَ النَّبيُّ حتَّى أخَذَهَا، فَضَمَّهَا إلَيْهِ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أنِينَ الصَّبِيِّ الَّذي يُسَكَّتُ حتَّى اسْتَقَرَّتْ، قالَ: بَكَتْ علَى ما كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ(.

        عباد الله: إن صور ونماذج إنسانية النبي كثيرة جدا، لا يكفي الحديثَ عنها عشراتُ الخُطبِ، لكن حسبنا ما ذكرناه في هذه الخطب الثلاثِ - باختصار -، والتي كان الهدف منها أن نتَحَفَّزَ جميعا للتأسي بإنسانية رسولنا الكريم وحُسْنِ أخلاقه، فهذا هو الاحتفاءُ الحقيقي بذكرى مولد رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاةِ وأزكى التسليم.... اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد... وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

       اللهم إنَّا نسألك الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قول وعمل ونعوذُ بك اللهم من النَّارِ وما قَرَّبَ إليها من قولٍ وعمل ... اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك.

       اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.

       اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل سوء وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب العالمين.

       اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.

       اللهم مَنْ كان من الحاضرين  له طلبٌ فاقْضِهِ له .. ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه دينه...

        اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين... ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار... سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

كتب الخطبة العبد الفقير إلى الله الأستاذ لعبيد محمد ياسين، خطيب مسجد السنة بفاس وأستاذ مادة التربية الإسلامية للثانوي التأهيلي، وذلك يومه الخميس 23 ربيع الأول 1444ه الموافق 20 أكتوبر 2022م.

تعليقات

التنقل السريع