خطبة الجمعة 38 : ويلٌ لآكلِ الميراث
الخطبة الأولى:
بسم الله الرحمان الرحيم الحمدُ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَۖ (، ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (، )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.
أيها المؤمنون والمؤمنات: مثلُ هذه
القصة والواقعةِ كثيرٌ جدا في مجتمعنا ممن يأكلون ميراثَ أخواتهمُ البنات أو
ميراثَ الأطفال اليتامى، وذلك بحجة أن المرأة والأطفال الصغار لا حاجة لهما بالمال؛ وإني لأتساءلُ: ماذا سيقول هؤلاء لرب العالمين يومَ يقفون بين
يديه للحساب؟ ماذا يستفيد مثل هؤلاء مِنْ أخذهم لهذا المال من غير وجهِ حقٍّ؟ هل
يظنون أنهم خالدون في هذه الدنيا ولن يقفوا بين يديِ العدل سبحانه مُحَمَّلِينَ بِذُنوبٍ
ثِقالٍ للحساب والعقاب؟
أيها المسلمون والمسلمات: كثيرٌ من آكِلِي الميراثِ أصابهمُ الجشع والطمع،
فجحدوا حقَّ الورثةِ ظنًّا منهم أن إعطاءَهُم حقَّهُم سيُنقِصُ مَالَهَم ويجعلُهُم
فقراء، فصدقوا بذلك قولَ الشيطانِ الذي يَعِدُهُمُ
الفقر وكَذَّبُوا وَعْدَ الله للمؤمنين بالمغفرةِ والفضل الكبير، قال الله تعالى: ) اِ۬لشَّيْطَٰنُ يَعِدُكُمُ اُ۬لْفَقْرَ وَيَامُرُكُم بِالْفَحْشَآءِۖ
وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةٗ مِّنْهُ وَفَضْلاٗۖ وَاللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيم (سورة البقرة، الآية:267؛ فإبليسُ اللعينُ يُلْبِسُ الباطلَ
حقًّا حتى يُوهِمَ آكلَ المالِ الحرام – ومنهم آكلُ الميراث –أنَّ ما يفعله هو
الصواب وأنه على الحقِّ المبين.
أيها الإخوة المؤمنون: إن بعض أَكَلَةِ الميراثِ يعتبرونَ الأمرَ هَيِّنًا
يسيرا وهو عندَ الله عظيم، فقد اعتبرَ الله
عز وجل آكلَ الميراثِ - إن لم يَتُبْ عن فِعْلِهِ وجُرمِهِ قبل فواتِ الأوان - مُتَجَاوِزًا لحدودِ الله ومُنتهِكًا لِحُرُماته
وتوعدَّهُ بعذاب مهين، قال الله تعالى بعد أن بيَّنَ أنصِبَةَ الورثة في آيَتَي
المواريث في سورة النساء: ) تِلْكَ حُدُودُ اُ۬للَّهِۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ
نُدْخِلْهُ جَنَّٰتٖ تَجْرِے مِن تَحْتِهَا اَ۬لَانْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ
وَذَٰلِكَ اَ۬لْفَوْزُ اُ۬لْعَظِيمُۖ (13) وَمَنْ يَّعْصِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ
وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ نُدْخِلْهُ نَاراً خَٰلِداٗ فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٞ
مُّهِين
.((14)
أيها الإخوةُ الكرام: إنَّ الذين يأكلون الميراث هُمُ الذينَ وصفهم الله تعالى بقوله في سورة
النساء: )اِنَّ اَ۬لذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَٰلَ اَ۬لْيَتَٰم۪يٰ
ظُلْماً اِنَّمَا يَاكُلُونَ فِے بُطُونِهِمْ نَاراٗۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراٗۖ((10)، فَآكِلُ مالِ اليتيم كمن يأكلُ النارَ ويَضعُها في بطنه، فهو في ألمٍ دائمٍ
إلى أن يهلكَ ويموتَ ثُمَّ يُدْخِلُهُ الله نارَ جهنم؛ فلا تظُنَّنَّ – يا آكل الميراث – أنَّ ما أخذته من مالٍ أو عقارٍ سيكون
لك فيه الغنى، كلا والله إنَّ فيه إفلاسًا يوم القيامة يومَ لا ينفع مالٌ ولا بنون
إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.
فاللهم إنَّا نعوذُ بك من أن نظلمَ أو
نُظْلَمَ، نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين وبحديث سيِّدِ الأوَّلينَ والآخِرِين،
وغفرَ الله لي ولكم ولِسائرِ المسلمين، آمين، و الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ
للهِ ربِّ العالَمينَ، والعَاقِبةُ لِلْمُتَّقينَ، ولَا عُدْوانَ إلَّا عَلَى
الظَّالِمينَ، أَحمَدُه تَعَالَى حَمْدَ الشَّاكرينَ، وأستَغفِرُه استِغفَارَ
المُنيبِينَ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لَا شَريكَ لهُ، إِلَهُ
الأوَّلينَ والآخِرِينَ، وَقَيُّومُ يومِ الدِّينِ، وأَشهدُ أنَّ سيدنا مُحمدًا
الأَمِينَ عبدُه ورسولُه إلى العَالَمينَ، صَلواتُ اللهِ وسلامُه عَلْيهِ وعَلَى
آلِهِ وصَحبِه والتَّابعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
أما بعد، عباد الله: كثيرةٌ هي المشاكلُ التي تُعانيها أُسَرُنا اليومَ بسبب
الميراث، فبالإضافةِ إلى ما ذكرناهُ من حِرْمانِ الورثة من نصيبهم بشكل صريح، هناكَ
من يتحايلُ من أجلِ تحقيق ذلك إما بتأخيرِ قسمةِ التركة حتى تَمُرَّ السنوات
ويموتَ صاحبُ الحق من دونِ أن يستفيد منه، وقد يُوجدُ من بين الورثة أطفالٌ صغارٌ يعيشون
فقراءَ عالةً على الناس، ونصيبهم من التركة موجودٌ لو قُسِّمَ في حينِهِ لجعلهم أغنياء؛ وإما بإخفاء المُستنداتِ
والوثائق فترة طويلة عن الورثة أو بعضهم ليكسبَ المزيد من الوقت من أجل استغلال
بعض العقارات وخاصة المُؤَجَّرَةَ منها، أو حتى يربحَ القضيةَ في المحكمةِ في حالِ
رفع دعوى من الوارث المتضرر.
أخوة الإيمان: إنَّ أكلَ الميراثِ فيهِ قطعٌ للأرحامِ، فكم من أختٍ تشتكي أخاها الآن في
المحاكم بسبب الميراث، وكم من إخوةٍ بعدَ الوِصالِ والحُبِّ تهاجروا وتباغضوا بسبب
الميراث؛ لذلك أنصحُ من وقعَ في هذا الظلم الكبير ممن لا
يزالون على قيدِ الحياة، أن يتداركوا وَيُرجعوا الحقوق إلى أهلها مع تعويضهم على
الوقت الذي تركوهم فيه من دون حقهم، وأما منْ مَاتَ مِنْ آكلي الميراث فعلى ورثتهم
أن يعملوا على ردِّ الحقوق إلى أصحابها مع تعويضهم ويطلبوا منهمُ الصفحَ لهالكِهمُ
الظالمِ لهم؛ فبابُ التوبة مفتوحٌ لمن أراد ذلك، لكنها مقترنةٌ بردِّ
الحقوق إلى أهلها وطلبِ الصفح والعفو من المظلومين، قال الله تعالى في سورة الفرقان: )اِلَّا مَن
تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاٗ صَٰلِحاٗ فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ اُ۬للَّهُ
سَيِّـَٔاتِهِمْ حَسَنَٰتٖۖ وَكَانَ اَ۬للَّهُ غَفُوراٗ رَّحِيماٗۖ (70) وَمَن
تَابَ وَعَمِلَ صَٰلِحاٗ فَإِنَّهُۥ يَتُوبُ إِلَي اَ۬للَّهِ مَتَاباٗۖ
(71) .(
فاللهم وَفِّقنا
لحسنِ تقواك والالتزام بأوامرك والابتعاد عن نواهيك ...
اللهم إنَّا نسألك الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قول وعمل ونعوذُ بك اللهم من
النَّارِ وما قَرَّبَ إليها من قولٍ وعمل ... اللهم لك الحمد حتى ترضى
ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال..
اللهم
إنا نحمد ونشكرك أن
جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى
آله وسلم... اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل
سيدنا إبراهيم، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على
سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد... وارض اللهم
عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم
وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي
تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه
الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.
اللهم
أصلح أطفالنا
وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا
من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.
اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل سوء وكيدٍ
وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب العالمين.
اللهم
مَنْ كان من الحاضرين له طلبٌ فاقْضِهِ له
.. ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ
عنه دينه... اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين
وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين...
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن
من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
وقِنا عذاب النار... سبحان
ربك رب
العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق