خطبة الجمعة 39 : دروس من حدث المسيرة الخضراء
الخطبة الأولى:
بسم الله الرحمان الرحيمالحمدُ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه
ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له
ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ
سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ
الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه
أجمعين؛ ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ
اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم
مُّسْلِمُونَۖ (، ) يَٰٓأَيُّهَا
اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ
وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ
اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (، )يَٰٓأَيُّهَا
اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ
لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ
وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.
أيها المؤمنون والمؤمنات: تعلمون أن
المُحتلَّ لبلدنا وللبلدان الإسلامية لمْ يكنْ لهم من هَمٍّ سوى التَّشتيت
والتفريق والإضعاف، وذلك لِنَهْبِ الخيراتِ والتمكن من استغلالها أمدا طويلا دون
رقيب أو حسيب؛ ورغم أنَّ المغرب
حظيَ بالاستقلال منذُ أواسطِ الخمسيناتِ بقيادة الحركة الوطنية وعلى رأسها الملك
المغفور له محمد الخامس – رحمه الله -، إلا أن أجزاءً منه بقيَتْ تحت سُلْطَةِ
المُستعمر الأجنبي وهيمَنَتِه، فجاءت المسيرةُ الخضراء المتميزةُ بقيادة
المُلْهَمِ الملك الحسن الثاني – طيَّبَ الله ثراه- في أواسطِ السبعينات لِتُحرِّرَ
ما تبقى من أقاليمنا الجنوبية؛ ونحنُ نقفُ عند هذا الحدثِ التاريخي العظيم،
أتساءل معكم ما هي الدروس والعبر التي يُمكن استخلاصها منه؟
أيها المسلمون والمسلمات: إنَّ الدروسَ المستفادةَ من حدثِ المسيرة الخضراء كثيرة جدا؛ أولها، أنها مسيرة خضراءُ وليست حمراءَ أو سوداءَ، أي أنها
كانت مسيرةً سلمية لا سَفكَ للدماء فيها، فهيَ خضراءُ رمزٌ للسلم وإشارةٌ إلى أنَّ
السلمَ مع الحق أقوى من الحديد والحربِ والعنف مع الظلم والاعتداء، وتأكيد على أن
ديننا دينُ سلمٍ وليس دينَ حربٍ كما يُرَوَّجُ له.
أيها الإخوة المؤمنون: لقد أَبانتِ المسيرةُ الخضراء على أنَّ هذه الأمةَ
فيها خيرٌ كثيرٌ وفيها طموحٌ عظيم إلى الوحدة وعدم التفرُّقِ امتثالا لأمر الله عز
وجل في سورة آل عمران: ) وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اِ۬للَّهِ جَمِيعاٗ وَلَا تَفَرَّقُواْۖ( الآية:
103، وحماسةٌ وطنيةٌ خالصة واستعدادٌ مُنْقطعُ النَّظير لخدمة الدين وما فيه
صلاحٌ للأمة الإسلامية وقضاياها الكبرى؛ كذلك أَكَّدَتِ
المسيرة الخضراء على أنَّ هذا البلد الحبيب لا يمكن أن يُحقِّقَ نهضةً أو انتصارا إلا
بالرجوع إلى كتابِ الله والتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يمكن قيادة الأمة ولا توجيهها ولا
جعلُها مُوَحَّدَةً على قلبِ رجل واحد إلا بالدين والقرآن والسنة، لأن هذا الشعب جُبِلَ
على حُبِّ دينه ونبيه صلى الله عليه وسلم والاعتصام بحبل الله المتين، لذلك كان الحافزُ في
المسيرة الخضراء هو القرآن الكريم والانتصار لهذا الدين وتحريرُ الأمة الإسلامية
من هيمنة الاستعمار الغاشم، فالمُبدعُ الملكُ
الحسن الثاني – رحمه الله – لمْ يُسَلِّحِ الناس بالأسلحة ولم يُرسلْ معَ
المُتَطَوِّعين لهذه المسيرة جيشا من المُقاتلين، وإنما سلحهم بكتاب الله وحمَّسهم
بالتضحية من أجل دينهم ووطنهم وملكهم.
أيها الإخوةُ الكرام: رابعُ المُستفاد من ذكرى المسيرة الخضراء هو أنها بيَّنتْ طبيعة العلاقة
بين المغاربة ومَلِكِهمْ، وهي علاقة تتميزُ بالمحبة والتعلُّقِ الشديد والسمع
والطاعة كما أمر الله بذلك في كتابه العزيز: ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ اُ۬للَّهَ
وَأَطِيعُواْ اُ۬لرَّسُولَ وَأُوْلِے اِ۬لَامْرِ مِنكُمْۖ(سورة النساء، الآية:58؛ وهذه نعمةٌ عظيمةٌ
قلَّ نظيرها في دُوَلٍ كثيرة، فلِلَّهِ الحمدُ والمِنَّةُ على هذه النعمة التي بها
عصمَ الله هذا البلد منْ كثيرٍ منَ الفِتَنِ التي ابتُلِيَ كثيرٌ من الدُّول.
فاللهم احفظْ بلدنا هذا واجعله آمنا مطمئنا
وسائر بلاد المسلمين، نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين وبحديث سيِّدِ الأوَّلينَ
والآخِرِين، وغفرَ الله لي ولكم ولِسائرِ المسلمين، آمين، و الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ
للهِ ربِّ العالَمينَ، والعَاقِبةُ لِلْمُتَّقينَ، ولَا عُدْوانَ إلَّا عَلَى
الظَّالِمينَ، أَحمَدُه تَعَالَى حَمْدَ الشَّاكرينَ، وأستَغفِرُه استِغفَارَ
المُنيبِينَ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لَا شَريكَ لهُ، إِلَهُ
الأوَّلينَ والآخِرِينَ، وَقَيُّومُ يومِ الدِّينِ، وأَشهدُ أنَّ سيدنا مُحمدًا
الأَمِينَ عبدُه ورسولُه إلى العَالَمينَ، صَلواتُ اللهِ وسلامُه عَلْيهِ وعَلَى
آلِهِ وصَحبِه والتَّابعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
أما بعد، عباد الله: نحنُ في حاجةٍ شديدةٍ إلى مسيرةٍ جديدة، مسيرةٍ ربانية أخرى، مسيرةٍ لا
نحملُ فيها كتابَ الله فقط وإنما نُطَبِّقُه أيضا في كل جوانب ومجالات الحياة؛ فإذا كنَّا
قد حرَّرنا بالمسيرة الخضراء أرضنا، فإننا في أمسِّ الحاجة اليوم إلى مسيراتٍ في
مجالاتِ التعليم والتربية والأخلاق والاقتصاد...، مسيراتٍ جماعية كلٌّ في موقعه
ومن مهنته ومُهِمَّته، لِنُحرِّرَ بها ديننا وأُسَرَنا وتَعليمنا واقتصادنا
وأنفُسنا من العدُوِّ الخفي ( الجهل والفقر والبطالة والفساد والتقليد الأعمى
للغرب...)، فالعدو الخفيُّ أخطر بكثير من العدو الظاهر.
أخوة الإيمان: لقد حرِصَ
الملكُ محمد السادس – حفظه الله وسدَّدَ خُطاهُ – منذُ تولِّيهِ العرشَ على القيامِ
بمسيرات التنمية في كل المجالات والقطاعات التي أشرتُ إليها، لكنَّ نجاحَ أي مسيرة
- كنجاحِ المسيرة الخضراء - يتطلبُ وحدةً وتآلُفًا وتضامنا وتعاونا وتضحية من كلِّ
مُكونات الشعب.
فاللهم اجمع شمل
المسلمين وَوَحِّدْ كلمتهم على الحق والدين.. واحفظ اللهم بلدنا وكل
بلاد المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن.. واجعل اللهم بلدنا هذا بلدا رخاء
سخاء مُزدهِرًا وكل بلاد المسلمين ....
اللهم
إنَّا نسألك الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها
من قول وعمل ونعوذُ بك اللهم من النَّارِ وما قَرَّبَ إليها من قولٍ وعمل ... اللهم
لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على
كل حال..
اللهم
إنا نحمد ونشكرك أن
جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى
آله وسلم... اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل
سيدنا إبراهيم، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على
سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد... وارض اللهم
عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم
وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى.. وارزقه اللهم البطانة الصالحة المصلحة التي
تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه
الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.
اللهم ارحمِ المَلِكيْنِ المجاهدِيْن الملكَ محمدٍ الخامس والملكَ الحسن الثاني وطيِّبْ ثراهما.. وارحمِ اللهم كلَّ المُجاهدين الذين ضحَّوْا
بأرواحهم فداءً لدينك ولهذا الوطن الحبيب، واحم اللهم أمواتنا وكُلَّ أموات المسلمين.
اللهم
أصلح أطفالنا
وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا
من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.
اللهم
مَنْ كان من الحاضرين له طلبٌ فاقْضِهِ له
.. ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مَدينًا فاقضِ
عنه دينه...
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن
من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
وقِنا عذاب النار... سبحان
ربك رب
العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق