خطبة الجمعة 40: ارتكاب الحرام من أسباب الحرمان
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه
ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له
ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ
سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ
الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه
أجمعين؛ ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ
اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم
مُّسْلِمُونَۖ (، ) يَٰٓأَيُّهَا
اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ
وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ
اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (، )يَٰٓأَيُّهَا
اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ
لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ
وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.
أيها
المؤمنون والمؤمنات: إن سبب حرماننا من هذه النِّعَمِ كلها هو ارتكابُنا للحرام
وانغماسُنا فيه بشكل تجاوزَ الحدودَ، بل وبِشَكلٍ عَلَنِيٍّ جِهارًا أمام الناس من
دونِ استِحياءٍ لا من الناسِ ولا من ربِّ الناس؛ فأما الحرمانُ من نزول المطر والماءِ فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم
في الحديث الصحيح الذي رواه عبد الله بن عمر وأخرجه ابن ماجة والطبراني والحاكم:) وَلَمْ يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ،
ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا(، فهل يُؤَدِّي الناسُ اليومَ
زكاةَ أموالهم؟ ألا يتحايلُ الناس اليومَ من أجل التهرب من إخراج الزكاة بمختلَفِ
الوسائل والطُّرُق؟ وحتى من يُؤدِّي الزَّكاةَ هل يؤديها على حقيقتها بأن تُعطَى
لِمَن يَستحقُّها ثم ثانيا بأن تُعِطيَها له باعتبارِها حقٌّ له لا صدقةً ومكرُمةً
منك إليه.
أيها المسلمون والمسلمات: إنَّ سبب الحِرمانِ من اكتِشاف الدواء للأمراض الخطيرةِ التي ظهرت في عصرنا
رَغمَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي رواه جابرُ بنِ عبد
الله: ) لِكلّ داءٍ دواءٌ، فإِذا أُصيبَ دَواءُ الدَّاءِ برأَ بِإِذْنِ الله
عزَّ وَجَلَّ( صحيح مسلم، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث في الحديث الصحيح الذي رواه عبد الله بن عمر:) يا مَعْشَرَ المهاجرينَ ! خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ،
وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ: لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ؛ حتى
يُعْلِنُوا بها؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في
أسلافِهِم الذين مَضَوْا.... إلى آخر الحديث( أخرجه ابن ماجة في صحيحه والطبراني
في المعجم الأوسط والحاكم باختلاف يسير، وما نراهُ اليومَ في الشارعِ العام من المُنكرِ البَيِّنِ الواضحِ إلاَّ
إعلانٌ للفاحشةِ وجهرٌ بها، فنسألُ الله السلامةَ والعافية.
أيها الإخوة المؤمنون: وأمَّا الحِرمانُ من البركة في المالِ والأولادِ
والعُمُرِ والصحة والوَقتِ؛ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي جاء عن أمِّ المؤمنين
عائشةَ رضي الله عنها: ) إِنَّ الله تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكم عَمَلاً أن يُتْقِنَه( صحيح الجامع الصغير للألباني
بإسناد حسن، فهل نُتْقِنُ عملنا اليوم؟
هل نُؤَدِّيهِ بإتقان وإخلاصٍ وأمانةٍ ونزاهةٍ ومسؤوليَّةٍ، إذا كان الجوابُ سَلْبًا
فاعلَمْ أن هذا هو سببُ نَزْعِ البركةِ من حياتكَ كُلِّها لأن مصدَرَ رِزْقِكَ من
الحرام.
أيها الإخوةُ الكرام: لقد حَرَمَنَا الله تعالى أيضا من استجابة الدُّعاءِ
وذلك لعدمِ تَحَقُّقِ شرطين فينا ذكرهما الله تعالى في سورة البقرة: ) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِے عَنِّے فَإِنِّے قَرِيبٌۖ ا۟جِيبُ دَعْوَةَ
اَ۬لدَّاعِۦٓ إِذَا دَعَانِۦۖ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِے وَلْيُومِنُواْ بِيَ لَعَلَّهُمْ
يَرْشُدُونَۖ
(الآية:185؛ فهل نستجيبُ لأوامر الله تعالى ونبتعدُ عن نواهيهِ فردًا وجماعةً؟
هل ندعو الله ونحن موقنون بالإجابة؟
فاللهم وَفِّقْنا لطاعتِكَ وهيِّئْ لنا من
أمرِنا رشدا، نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين وبحديث سيِّدِ الأوَّلينَ والآخِرِين،
وغفرَ الله لي ولكم ولِسائرِ المسلمين، آمين، و الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ
للهِ ربِّ العالَمينَ، والعَاقِبةُ لِلْمُتَّقينَ، ولَا عُدْوانَ إلَّا عَلَى
الظَّالِمينَ، أَحمَدُه تَعَالَى حَمْدَ الشَّاكرينَ، وأستَغفِرُه استِغفَارَ
المُنيبِينَ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لَا شَريكَ لهُ، إِلَهُ
الأوَّلينَ والآخِرِينَ، وَقَيُّومُ يومِ الدِّينِ، وأَشهدُ أنَّ سيدنا مُحمدًا
الأَمِينَ عبدُه ورسولُه إلى العَالَمينَ، صَلواتُ اللهِ وسلامُه عَلْيهِ وعَلَى
آلِهِ وصَحبِه والتَّابعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
أما بعد، عباد الله: : مِنَ الحِرمانِ أيضا الذي نعيشه ولا نُحِسُّ به ولا نُدركه ونحن في الدنيا، وإنما سَنُدركه يوم الحِساب؛ ألا وهو
الحِرمانُ من قَبولِ الأعمالِ التي كنَّا نتقربُ بها إلى الله ونَحْسَبُ أننا نُحْسِنُ
صُنْعًا، قال الله تعالى في سورة الكهف: ) قُلْ هَلْ
نُنَبِّئُكُم بِالَاخْسَرِينَ أَعْمَٰلاً اِ۬لذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِے
اِ۬لْحَيَوٰةِ اِ۬لدُّنْي۪ا وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاًۖ
(99) ا۟وْلَٰٓئِكَ اَ۬لذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمْ وَلِقَآئِهِۦ
فَحَبِطَتَ اَعْمَٰلُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ اَ۬لْقِيَٰمَةِ وَزْناٗۖ
(100) ذَٰلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَاتَّخَذُوٓاْ ءَايَٰتِے
وَرُسُلِے هُزُؤا((101) ؛ فالله تعالى
لا يقبل عملاً فيه رِياءٌ وسُمعةٌ ليس خالصا لله عز وجل وحده، ولا يقبلُ الله
تعالى عملاً لا يتَلَذَّذُ فيه الإنسانُ ويقومُ به عن حُبٍّ وإنما يُؤَدِّيهِ جبرا
أو تكاسلاً، قال الله تعالى في سورة التوبة: ) وَمَا
مَنَعَهُمُۥٓ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَٰتُهُمُۥٓ إِلَّآ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ
بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ وَلَا يَاتُونَ اَ۬لصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَال۪يٰ
وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَٰرِهُون
( (54)، ولا يقبلُ الله عملا أصلهُ من الحرام كالتَّصَدُّقِ
بمالٍ حرامٍ أو الذّهابِ إلى الحجٍّ بمال اكتسبته من طريقٍ غير مشروع.
أخوة الإيمان: إن مِنْ
أسبابِ حرمانِ الله للمسلمين اليومَ من التقدُّمِ والنماء – كما كانوا عليه في
السابق – هو غيابُ العدلِ وانتشارُ الظلم وخيانةُ الأمانة والمسؤولية وعدمُ أداء
الحقوقِ إلى أهلها، فالله تعالى ينصر الأقوامَ العادلةَ ولو كانت كافرةً ويخذُلُ
الأقوامَ الظالمةَ ولو كانت مؤمنة.
اللهم
إنَّا نسألك الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها
من قول وعمل ونعوذُ بك اللهم من النَّارِ وما قَرَّبَ إليها من قولٍ وعمل ... اللهم
لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على
كل حال.. اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من
أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم...
اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل
سيدنا إبراهيم، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على
سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد... وارض اللهم
عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم
وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى.. وارزقه اللهم البطانة الصالحة المصلحة التي
تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه
الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.
اللهم اجمع شمل المسلمين وَوَحِّدْ كلمتهم على الحق والدين..
واحفظ اللهم بلدنا وكل بلاد المسلمين من الفتن ما ظهر منها
وما بطن.. واجعل اللهم بلدنا هذا بلدا رخاء
سخاء مُزدهِرًا وكل بلاد المسلمين ....
اللهم
أصلح أطفالنا
وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا
من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.
اللهم
مَنْ كان من الحاضرين له طلبٌ فاقْضِهِ له
.. ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مَدينًا فاقضِ
عنه دينه... اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين وأَلحِقْنا بهم مسلمين مُوَحِّدين
يا رب العالمين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن
من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
وقِنا عذاب النار... سبحان
ربك رب
العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق