القائمة الرئيسية

الصفحات


 

خطبة الجمعة 47: دلالات البيعة في ذكرى عيد العرش المجيد

الخطبة الأولى:
     بسم الله الرحمان الرحيم  الحمدُ لله ، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَۖ(، )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (، )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.

       أما بعد عباد الله: تتأهَّبُ بلادنا في هذه الأيام لِتخليدِ ذكرى غاليةٍ ومناسبةٍ وطنية عزيزة، إنها ذكرى عيدِ العرشِ المجيد التي يحتفِلُ بها المغاربةُ كلَّ سنة في الثلاثينَ من شهر يوليوز، ذكرى تَرَبُّعِ جلالة الملك محمدٍ السادس – نصره الله وأيَّدَهُ – على عرشِ أسلافه المُنَعَّمِين.

          أَيُّهَا المسلمون والمسلمات: هذه الذكرى التي تُعتبرُ مناسبَةً في كل سنةٍ من أجل تجديد البيعة التي تربطُ بين الملك وشعبه، إنها بيعةٌ متبادَلَةٌ؛ بيعةٌ أولاً من السلطان لِرَعِيَّتِهِ على مزيدٍ من العطاء والتَّقَدُّمِ والنُّمُوِّ والاِزْدِهارِ وتحقيقِ الأمن لهذا الوطنِ، وبيعةٌ ثانيةٌ من الرَّعِيَّةِ لِمَلِكِهم على مزيدٍ من الطاعةِ والولاء والحبِّ لهُ ولِوَطَنِهم والتعاونِ معهُ على تحقيق رَخاءِ المُسلمين وتقدُّمِهم وتَطَوُّرِهمْ في كل المجالاتِ والميادين.

          أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ والمؤمنات: هذهِ البيعةُ أساسها الشرعُ، فقد أمرنا بها الله تعالى في سورة النساء: ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ اُ۬للَّهَ وَأَطِيعُواْ اُ۬لرَّسُولَ وَأُوْلِے اِ۬لَامْرِ مِنكُمْۖ ( الآية: 58، وكذلك نجد سندها الشرعي في مُبايَعَةِ الصحابةِ – رضوانُ الله عليهم أجمعين – النبيَّ صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة تحت الشجرة في صلح الحديبية، قال الله تعالى في سورة الفتح: ) اِنَّ اَ۬لذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اَ۬للَّهَ يَدُ اُ۬للَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْۖ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَيٰ نَفْسِهِۦۖ وَمَنَ اَوْف۪يٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيْهِ اِ۬للَّهَ فَسَنُوتِيهِ أَجْراً عَظِيماٗۖ ( الآية: 10.

          عباد الله: لقدْ حَذَّرَنا النبي صلى الله عليه وسلم من خَلْعِ البيعةِ وعدمِ الوفاءِ بها، وذلك في الحديثِ الذي رواهُ الإمامُ مسلمٌ عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ) مَن خَلَعَ يَدًا مِن طَاعَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ يَومَ القِيَامَةِ لا حُجَّةَ له، وَمَن مَاتَ وَليسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً(؛ وذلك لِمَا تُحَقِّقُهُ هذه البيعةُ منَ الوحدةِ المتواصلةِ بين الراعي والرَّعِيَّةِ القائمة على الاِعتِصامِ بِحَبْلِ الله المتين، كما حثَّ على ذلك دينُنَا الحنيف في قول الله تعالى: )وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اِ۬للَّهِ جَمِيعاٗ وَلَا تَفَرَّقُواْۖ( سورة آل عمران، الآية: 103؛ ولِمَا تُحقِّقُهُ أيضا مِنَ الخيرِ الكثيرِ للناسِ والأُمَّةِ، إذْ بالسمعِ والطاعةِ تَنهضُ الأمةُ وتزدهِرُ وتَسْعَدُ في دِينِها وَدُنياها، وتَسِيرُ بِخُطىً ثابِتَةٍ نحو مدارجِ الرُّقِيِّ والكمال.

أيها الإخوة المؤمنون: إنَّ بيعةَ الرعيَّةِ لِقائِدِها وَمَلِكِهَا على السمعِ والطاعة هي التي تُعَزِّزُ السِّلْمَ الاِجتماعي وتحافظُ على استقرار المجتمع والوطن، وتُجنِّبُ المسلمينَ الفتن والانقسامات التي قد تُهَدِّدُ وَحْدَتَهُم.

لذلكَ يجبُ أن نفهم أنَّ البيعةَ ليست مُجردَ مظهرٍ شكليٍّ يقومُ به المسلمون، بل هي التزامٌ مُتبادلٌ بينَ الملكِ وشعبه للسعيِ معًا نحوَ تَحقيقِ الخير والعدل والرخاء للجميع في هذا الوطنِ الحبيب؛ فلنتحلَّى بروحِ البيعة الحقيقية ولْنَعْمَلْ جميعًا على تنفيذِ أمْرِ الله وأمرِ رسوله لِتَحْقِيقِ بناءِ مجتمع إسلامي قويٍّ ومُترابطٍ.

فاللهم عَلِّمنا ما ينفعنا وزدنا علمًا، نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين وبحديث سيد الأولين والآخرين، وغفر لي ولكم ولِجميع المسلمين، آمين، والحمد لله رب العالمين.


الخطبة الثانية:
          الحمد لله الذي علمنا بسيرة المصطفى  ما لم نعلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

           أما بعد، عباد الله: إنَّ احتِفالَ المغاربةِ بذكرى عيد العرشِ المجيد لَهُوَ مناسبَةٌ لإِذْكاءِ رُوحِ التعاونِ والتَّضامنِ والإخاءِ، ومُناسَبَةٌ لِتَقْوِيَةِ أواصرِ المودَّةِ والتَّلاحُمِ القائمِ بين العرشِ والشَّعبِ، ومناسبةٌ لأخذِ العِبَرِ والدروسِ من الماضي لأجلِ العملِ في الحاضر وبِناءِ المُستقبل.

          أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ والمؤمنات: إن احتفال المغاربة بهذه المناسبةِ العزيزة مَا هوَ إلا تجسيدٌ لآمالِ المُوَاطنينَ وأمانيهم، للسَّيرِ قُدُماً بهذا البلد الحبيب نحو التَّقَدُّمِ والرُّقِيِّ والاِزْدِهار، والأمنِ والأمان والاِستِقْرار، في ظِلِّ الثوابتِ والمُقَدَّسات، تحت القِيَادَةِ الرَّشيدة لأمير المؤمنين الملكِ محمد السادس – حفظه الله وأطال في عمره -؛ قال الله تعالى: ) وَذَكِّرْهُم بِأَييَّٰمِ اِ۬للَّهِۖ إِنَّ فِے ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبّ۪ارٖ شَكُورٖۖ ( سورة إبراهيم، الآية: 7.

       فاللهم ثبّتْنا على دينك وأعِنَّا على طاعتك وطاعةِ نبيِّكَ... اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال.. اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم...

       اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد...وارض اللهم عن الخلفاء  الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.

وارْحَمِ اللهم المَلِكَيْنِ المُجاهدين عبدَك الملكَ محمدا الخامس وعبدك الملكَ الحسن الثاني، اللهم طَيِّبْ ثَراهما واغفِرْ لهما، وارْحمِ اللهم كل آبائنا وأجدادنا الذين ضَحَّوْا بأرواحهم وأموالهم فداءً لتحريرِ هذا الوطن.

اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل سوء وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب العالمين.

اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح....

اللهم إنَّا ندعوك في أحسن الأيام عندك وهو يوم الجمعة وفي أحبِّ البيوتِ إليك وهو بيتك الكريم ، اللهم مَنْ كان من الحاضرين  له طلبٌ فاقْضِهِ له .. ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه دينه...

اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين...

 ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار...

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

كتب الخطبة العبد الفقير إلى الله الأستاذ لعبيد محمد ياسين، خطيب مسجد الرضى بفاس وأستاذ مادة التربية الإسلامية للثانوي التأهيلي، وذلك يومه الأربعاء 08 محرم 1445ه الموافق 26 يوليوز  2023م.

تعليقات

التنقل السريع