القائمة الرئيسية

الصفحات


 

خطبة الجمعة 46: دروسٌ من الهجرة النبوية 

الخطبة الأولى:

       بسم الله الرحمان الرحيم  الحمدُ لله ، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَۖ(، )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (، )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.

       أما بعد عباد الله: وَقَفْنا في خُطبةِ الجمعة الماضية عند مناسبة دخول العام الهجري الجديد وما تحمله من دلالات ومعاني عظيمة، ومنْ ذلك أنَّه أَشَرْتُ إلى أنَّ التقويم الهجري مرتبطٌ بحدثٍ مهم جدا في التاريخ الإسلامي، ألا وهو حدث الهجرة النبوية، هجرةِ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابِه من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، بسبب اشتدادِ بطشِ وأذى كفار قريش للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أجل القضاء عليهم وعلى دينهم الجديد؛ فما هي الدروس والعبرُ التي يمكن أن نستخلصها من هذا الحدثِ الفارقِ في تاريخ المسلمين؟ هذا هو موضوع خطبةِ هذه الجمعةِ – إن شاء الله تعالى-.

          أَيُّهَا المسلمون والمسلمات: إنَّ الدرس الأول الذي ينبغي أنْ نَسْتَفِيدهُ من حدثِ الهجرة، هو الثقة في الله والاعتماد عليه؛ فعندما قرر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الهجرة من مكة إلى المدينة، كان يعلم أنه سيواجه تحدياتٍ وصعوباتٍ كبيرة، فهُوَ وأصحابُه سيتركون وطنَهم ودِيَارهم وأموالَهم وَأَرَاضِيهِمْ، وسينتقلون إلى بلد جديدٍ ليس لهم فيهِ أيُّ شيء من هذا، ومع ذلك هاجروا ثقةً في الله ويقينًا في قُوَّته وتدبيره؛ فهذا ينبغي أن نتعلمَ منه أنه عندما نريدُ أنْ نتخذَ قراراتٍ صعبةً ومصيريةً في حياتنا، يجب أن نثق بالله ونعتمدَ عليه كليًّا ونتوكل عليه، قال الله تعالى في سورة آل عمران:  )فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اَ۬للَّهِۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ يُحِبُّ اُ۬لْمُتَوَكِّلِينَۖ  (الآية: 159.

          أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ والمؤمنات: واجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه - خلال الهجرة -  العديد من التحديات والصعوبات والمِحنِ - من ذلك محاولةُ كفارِ قريشٍ منعَهُمْ من الهجرةِ إلى المدينة، حيث أن أغلبَ الصحابة هاجروا خِفْيَةً إلا عمرَ رضي الله عنه هاجر جهرا-، ومع ذلك بقُوا صابرينَ ثابتينَ على الحق ولم ينحرفوا عن سبيلهم، وتعاملوا مع هذه الصعوبات والتحديات بِتَحَضُّرٍ وحكمة وَمنْ دون تَسَرُّعٍ أوِ انفعال يمكن أن يُضَيِّعَ عليهم فرصة الهجرة والهروبِ من بطش قريش؛ فهذا يجب أن نستَلْهِمَ منه الصبر والثباتَ في سبيل الحق، والتمسكَ بالقيمِ والمبادئِ الصحيحة في وجه التحديات والمغرَيَات، وكذلك أن نتعلم منه كيف نتصرف بِحِكْمَةٍ في حياتنا، ومع التحديات والمشاكل التي تواجهنا.

          عباد الله : إنَّ الجُنْدِيَّ الصادقَ المُخْلِصَ لِدَعوةِ الإصلاحِ يَفْدِي قائده بحياته، فَفِي سلامةِ القائدِ سلامةٌ للدعوة، وفي هلاكهِ هلاكُها وضياعُها؛ وهذا نستفيده ممَّا فعله عليٌّ – كرَّمَ الله وجهه – ليلةَ الهجرةِ عندما نامَ مكانَ النبي صلى الله عليه وسلم في فِرَاشِهِ، تضحيةً بحياتِهِ وَنفسهِ في سبيل الإبقاءِ على حياةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان من المُمكنِ أن يَتِمَّ قَتْلُهُ من طرفِ فِتْيَانِ قريش انتقاماً منه، لأنه سهَّلَ للرسولِ صلى الله عليه وسلم النجاة منهم، وَهُمُ الذين كانوا يُرِيدونَ التَّخَلُّصَ منه والقضاءَ عليه، ظنًّا منهم أنهم إن قَتَلوهُ قَضَوْا على دعوته ودينه؛ لكنْ  )وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اُ۬للَّهُۖ وَاللَّهُ خَيْرُ اُ۬لْمَٰكِرِينَۖ( سورة الأنفال، الآية: 30.

      فاللهم عَلِّمنا ما ينفعنا وزدنا علمًا، نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين وبحديث سيد الأولين والآخرين، وغفر لي ولكم ولِجميع المسلمين، آمين، والحمد لله رب العالمين.


الخطبة الثانية:

          الحمد لله الذي علمنا بسيرة المصطفى  ما لم نعلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

           أما بعد عباد الله : خلال رِحلةِ الهجرةِ وبعدَ وُصُولِهم إلى المدينةِ، أظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه منَ المُهاجرين والأنصار روحَ التكافل والتعاون والتضامُنِ، حيث قَدَّمُوا المساعدة والدعمَ لبعضهم البعض حتى يتمكن الجميع من الهجرةِ والوصولِ إلى المدينة بِسلام، وبعد وُصولهم قَبِلَ الأنصارُ بمؤاخاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بينهم وبينَ إخوانِهمُ المهاجرين الذين تركوا كلَّ مُمتلكاتهم في مكة، فَحَمِلَ كُلُّ واحدٍ أخاه وأنزلَهُ في بيته وأعطاه نصفَ مالِهِ لِيُعِينهُ على بدءِ حياة جديدة في موطنِهِ الجديد؛ وهذا ينبغي أنْ يُعلِّمنا أنه في الظروف الصعبة والاِستثنائية – مثلُ مرَّ معنا في جائحة كورونا -، أنْ يُسَانِدَ بعضُنا بعضًا وأنْ نكونَ جسدا واحدا، ونعملَ معاً لِتجاوزِ كلِّ الصعوبات والظروف الصعبة ولتحقيق النجاح والتقدمِ والنُّمُوِّ والاِزدِهار، امتثالا لقول الله تعالى في سورة آل عمران:  ) وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اِ۬للَّهِ جَمِيعاٗ وَلَا تَفَرَّقُواْۖ  (الآية: 103.

          أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ والمؤمنات: إن حدثَ الهجرة النبوية غنيٌّ بالعِبرِ والدروس التي يمكنُ أن نستفيد منها في حياتنا اليومية - ولا يَسَعُ الوقتُ للوقوف عندها جميعا -، فلنتعلمْ من ثقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الله واعتمادهم عليه، ومنْ تكافلهم وتعاوُنِهم، ومنْ تَحَضُّرِهم وحكمتهم في التعامل، ومنْ صبرهم وتضحيتهم في سبيل الحق؛ ولْنَسْعَ إلى تَمَثُّلِ هذه الدروس في حياتنا، لنَكونَ بِحقٍ خيرَ أمةٍ أُخْرِجَتْ للناس.

       فاللهم ثبّتْنا على دينك وأعِنَّا على طاعتك... اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال.. اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم...

       اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد...وارض اللهم عن الخلفاء  الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.

اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح....

اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل سوء وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب العالمين.

اللهم إنَّا ندعوك في أحسن الأيام عندك وهو يوم الجمعة وفي أحبِّ البيوتِ إليك وهو بيتك الكريم ، اللهم مَنْ كان من الحاضرين  له طلبٌ فاقْضِهِ له .. ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه دينه...

اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين...

 ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار... سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

كتب الخطبة العبد الفقير إلى الله الأستاذ لعبيد محمد ياسين، خطيب مسجد الرضى بفاس وأستاذ مادة التربية الإسلامية للثانوي التأهيلي، وذلك يومه الخميس02 محرم 1445ه الموافق 20 يوليوز  2023م.

تعليقات

التنقل السريع