القائمة الرئيسية

الصفحات


 

خطبة الجمعة 44: المداومة على الطاعة بعد رمضان

الخطبة الأولى:
       بسم الله الرحمان الرحيمالحمدُ لله ، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَۖ(، )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (، )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.

       أما بعد عباد الله : هاَ هُوَ شهر رمضان لم يَدُمْ بيننا طويلا كعادته، بل مضى عنا سريعا وارْتَحَل؛ فَطُوبَى لأولئك الذين أحسنوا العمل فيه من إتقانٍ للصيام والصلاة والقيام والصدقة وَتِلاوةِ القرآن، سائلينَ الله تعالى أن نكون من هؤلاء الذين أحسنوا وأتقنوا وأجادوا في العبادة، فتقبل الله منهم صالح أعمالهم ورضي عنهم وغفر لهم بذلك سيئات أعمالهم وأعتقَ رقابهم من النار، آمين.

          أيها الإخوة المؤمنون: إن المداومة على الطاعة والعمل الصالح بعد رمضان دليلُ العبودية الصادقة، سواءٌ كان ذلك العمل الصالحُ فرضا أمْ نَفْلاً؛ ولا يُشترطُ في ذلك أن نكون في رمضان كما كُنَّا في رمضان من الاِجتهاد في الطاعة والعمل الصالح، فنحنُ نعلم أن ذلك شهرٌ عظيم له نفحاته الخاصة التي تميزه عن باقي الشهور والتي تعين المسلم على الاجتهاد أكثر في الطاعة؛ لكنِ الذي لا بُدَّ منه ولا مَنَاصَ من التأكيد عليه أنه لا بد من الاستمرار والمداومة على الطاعة حتى بعد رمضان، ولو بدرجةٍ أقل مما كان عليه المسلم في رمضان، فحبلُ الطاعةِ لله الذي شددته في رمضانَ لا تقطعهُ بعده، الحذرَ الحذرَ من ذلك.

          أَيُّهَا المسلمون والمسلمات: إنَّ من علامات قبول الطاعةِ المدوامةُ عليها، فليس من المعقول أن تُداوِمَ على الطاعةِ في رمضانَ وتنقطع بعده بالكُلِّية، فربُّ رمضانَ هو ربُّ كل الشهور؛ ومن علامات قبول الطاعة أيضا، أن يتغير سلوكُ الإنسان من سيِّءٍ إلى حسن، ومن حسنٍ إلى أحسن، وأن تُتَرْجِمَ ذلك إلى علاقة دائمةٍ مُتصلةٍ غيرِ منقطعةٍ مع الله في سِرِّكَ وجهرِكَ، وأنْ تُتَرْجَمَ الطاعةُ والعبادةُ التي حافظنا عليها في رمضان إلى سلوكٍ راقٍ ومُعاملةٍ طيبة مع الناس.

          أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ والمؤمنات: اِستَمِرُّوا على الطاعة والعمل الصالح ولو كان قليلا، فقليلٌ دائمٌ خير من كثيرٍ منقطع؛ أخرج البخاري ومسلم - واللفظ له - عن عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: )أحبُّ الأعمال إلى الله تعالى أَدْوَمُها، وإنْ قَلَّ(، وأخرج الشيخان البخاري ومسلم أيضا – باختلاف يسير –عن عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: )سَدِّدوا وقارِبوا واعلموا أنه لن يُدخِلَ أحدَكم عملُه الجنَّةَ وأنَّ أحبَّ الأعمالِ إلى الله أدومُها وإن قَلَّ  (.

          فالنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحديث يقول: "سَدِّدُوا"، أي: اقْصِدُوا الصَّوابَ ولا تُفْرِطُوا، فتُجهِدُوا أنفُسَكم في العِبادةِ، لئلَّا يُفضيَ بكم ذلك إلى المَلَل، فَتَترُكوا العملَ فتُفَرِّطُوا؛ "وقارِبُوا"، أي: إنْ لم تَسْتَطيعوا الأخْذَ بالأكْمَلِ، فاعْمَلوا بما يقرُبُ منه؛ "واعْلَمُوا أنَّه لنْ يُدْخِلَ أحَدَكُم عَمَلُهُ الجنَّةَ" يعني: أنَّ الطاعاتِ التي تقومون بها، ليست عِوضًا وثَمنًا للجنَّةِ، ولا تُساويها، فالجنَّةُ سِلْعةٌ غَاليةٌ لا يُكافِئُها عَمَلٌ، وإنما تَدْخُلونها برَحْمةِ اللهِ؛ ثم قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : "وأَنَّ أحَبَّ الأعْمالِ إلى اللهِ أَدْوَمُها"، أي: ما استمرَّ في حياةِ العامِلِ؛ "وإنْ قَلَّ"، أي: وإنْ كان عَملًا قَليلًا، لأنَّه يَستمِرُّ بخِلافِ الكثيرِ الشَّاقِّ، جاء في صَحيحِ مُسلمٍ عن عَلقمةَ، قال: سَأَلْتُ أُمَّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، قالَ: قُلتُ: )يا أُمَّ المُؤْمِنِينَ كيفَ كانَ عَمَلُ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ؟ هلْ كانَ يَخُصُّ شيئًا مِنَ الأيَّامِ؟ قالَتْ: لَا، كانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ ما كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَسْتَطِيعُ(.  

فاللهم ثَبِّتْنا على دينك ولا تُزِغْ قلوبنا بعد إذْ هديتنا، آمين، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:

          الحمد لله الرحمانِ الرحيم الجوادِ الكريم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

          أما بعد عباد الله: إنَّ حالَ الناس بعد رمضان على صنفين؛ المستمرون والمنقطعون.

الصنف الأول: المستمرون المداومون؛ الذين استمروا على ما كانوا عليه في رمضان من العبادة والطاعة، الذين لم يرضوا أن يكونوا رمضانين بل ربانيين، امتثالا لقوله تعالى: ) وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّٰنِيِّۧنَ بِمَا كُنتُمْ تَعْلَمُونَ اَ۬لْكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَۖ( سورة آل عمران، الآية: 78؛ فهؤلاء بعد التخرج من مدرسة رمضان تراهم يبادرون بعد أيام العيد بصيام ستٍّ من شوال، وعلى صيام يومي الإثنين والخميس، وعلى صيام أيام البيض من كل شهر، وعلى صيام عرفة وعاشوراء؛ واستمروا على وردهم من القرآن قراءة أو سماعا؛ وحافظوا أيضا على أداء الصلوات في أوقاتها وبشروطها وأركانها وجماعتها وخشوعها ونوافلها ورواتبها.

الصنف الثاني: المقصرون المنقطعون؛ الذين نكَصوا بعد رمضان على أعقابهم فتراجعوا عما كانوا عليه من الطاعة والعبادة بصفة نهائية؛ وأولُ ما قام بتضييعه هؤلاء الناكصون هي صلاة الفجر في وقتها، وأداء الصلاة جماعة، وقطعوا أيضا صلتهم بالقرآن قراءة وسماعا وتدبرا، وابتعدوا عن فعل الخير بكل أنواعه، وعادوا إلى ما كانوا عليه من المعاصي والمنكرات والقبائح؛ فهؤلاء هم الرمضانيون، لهم جزاء ما قدموا في رمضان إن أحسنوا وأتقنوا العمل، ولكن ضاعوا وضيعوا أنفسهم فحُرموا من ذلك بعد رمضان.

          أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ والمؤمنات: اجعلوا من نسماتِ رمضان المُشرقة مفتاحَ خيرٍ لسائر العام، وذلك بالمداومة والاستمرار على الطاعة والعمل الصالح حتى وإنْ قلَّ، واسألوا سبحانه الثبات على ذلك حتى الممات؛ فمن أحبه الله تعالى وأراد به خيرًا هداهُ إلى طريق الاستقامة وحَبَّبَهُ إليه وثبَّتَهُ عليه، ثم يتوفاه عليه.

فاللهم أَمِتنا على أحسن الأعمال وَوَفِّقنا لاغتنام كل الأوقات وعمارتها بالأعمال الصالحات... اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال.. اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم... اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم ، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد...وارض اللهم عن الخلفاء  الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.

اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.... اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل سوء وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب العالمين.

اللهم إنَّا ندعوك في أحسن الأيام عندك وهو يوم الجمعة وفي أحبِّ البيوتِ إليك وهو بيتك الكريم ، اللهم مَنْ كان من الحاضرين  له طلبٌ فاقْضِهِ له .. ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه دينه... اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين... ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار... سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

كتب الخطبة العبد الفقير إلى الله الأستاذ لعبيد محمد ياسين، خطيب مسجد السنة بفاس وأستاذ مادة التربية الإسلامية للثانوي التأهيلي، وذلك يومه الجمعة 07 شوال 1444ه الموافق 28 أبريل 2023م.

تعليقات

التنقل السريع