القائمة الرئيسية

الصفحات


 

خطبة الجمعة 43فضائل شهر شعبان

الخطبة الأولى
بسم الله الرحمان الرحيم الحمدُ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَۖ (، ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (،  )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.

          أما بعد عباد الله: قبل أيامٍ هلَّ علينا شهر شعبان بِنَفَحاتهِ الربانية المباركة، هذا الشهر الذي يغفل الناس عنه مع أنه اخْتُصَّ بفضائلَ جمَّةٍ وجوائزَ ربَّانية ينبغي على المؤمن أن يكون مُسارعاً إليها ومبادرا لاغتنامها؛ فما هي هذه الفضائل والمِنَحُ؟ هذا هو موضوع خطبة اليوم – إن شاء الله- تحت عنوان: "فضائل شهر شعبان".  

أخوة الإيمان: لقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مَا يَصُومُ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ، أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ ومسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:  )كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يَصُومُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلاَ رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ(، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ في صحيحه (واللفظ له) عَنْ حِبِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: )ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ(.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: لقد بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق أنَّ الحكمةَ من إكثارهِ للصوم في شهر شعبان، هو أمران اثنان:

* أولهما: أنَّ شعبانَ شهرٌ يغفل الناس عنه لأنه جاء بين رجب ورمضان؛ فَعَلِمْنَا من هذا أن الأجر يعظُمُ في الطاعات التي يغفل الناس عنها زمانا أو مكانا، ذلك أن الطاعات في وقت غفلة الناس تكون شاقَّةً وشديدة على النفوس، لأنَّ النُّفوسَ تتأسَّى بما تشاهده من أحوال الناس؛ فإذا كثُرَتْ يقظةُ الناس وطاعتُهُم كثُرَ أهل الطاعة وسَهُلَتِ الطاعةُ كما هو الحال في صيام شهر رمضان وقيامِ ليله على خلاف الصيامِ والقيام في غير رمضان، وأمَّا إذا كثُرَتْ غفلةُ الناس تأسَّى بهم عموم الناس فَشُقَّت عليهم الطاعة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه معقل بن يسار: )العبادةُ في الهَرْجِ (أي في وقتِ الفِتَنِ) كالهجرةِ إليَّ( الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه والترمذي والإمام مسلم باختلاف يسير؛ وسبب ذلك أن الناس في وقت الفِتَن تستولي عليهم الغفلة وينشغلون عن عبادة ربهم، فإذا انفردَ مِنْ بينهم من يتمسك بدينه كان بمنزلة من هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومتبعا لدينه وسنته.

* ثانيهما: أنه شهرٌ تُرفَعُ فيه أعمالُ السَّنةِ كلِّها إلى الله تعالى، لذلك كان يُحِبُّ نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم أن تُرفع أعماله وهو صائم حتى تكونَ محلاًّ للعفوِ والمغفرة؛ وهذا نستفيد منه أن الصومَ جُنَّةٌ ووِقاية من عذاب الله تعالى.

       أيها الإخوة المؤمنون: إنَّ الله تعالى يغفِرُ لجميع خلقه ليلةَ النِّصف من شعبان إلا لِمُشرِكٍ أو مُشاحِنٍ؛ روى ابْنُ مَاجَةَ عَنْ أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه - عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: )إنَّ اللهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلاَّ لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ( الحديث حسَّنه الألباني في السلسة الصحيحة، وَالْمُشَاحِنُ مَعْنَاهُ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُسْلِمٍ آخَرَ عَدَاوَةٌ وخُصومةٌ وَحِقْدٌ وَبَغْضَاءُ وكراهِيَّةٌ؛ فإذا غفر الله تعالى للعبد في شهر شعبان ظهرت آثار هذه المغفرة عليه وهو يستقبل شهر رمضان بصفحة بيضاءَ، فيزدادَ فيه من الاجتهاد بالطاعات والعبادات وتحصيل أسباب المغفرة والرحمات بإذن الله تعالى.

فاللهم باركِ لنا في شهر شعبان وبلِّغْنا شهر رمضان بجودك وكرمك يا ربَّ العالمين، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.

 الخطبة الثانية:

         الحَمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، والعَاقِبةُ لِلْمُتَّقينَ، ولَا عُدْوانَ إلَّا عَلَى الظَّالِمينَ، أَحمَدُه تَعَالَى حَمْدَ الشَّاكرينَ، وأستَغفِرُه استِغفَارَ المُنيبِينَ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لَا شَريكَ لهُ، إِلَهُ الأوَّلينَ والآخِرِينَ، وَقَيُّومُ يومِ الدِّينِ، وأَشهدُ أنَّ سيدنا مُحمدًا الأَمِينَ عبدُه ورسولُه إلى العَالَمينَ، صَلواتُ اللهِ وسلامُه عَلْيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحبِه والتَّابعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ.

               أما بعد عباد الله: يُستحبُّ في لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ الدعاءُ بالعفو والمغفرة وصلاحِ الحال، قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عن ذلك فِي كِتَابِهِ الأُمِّ: "وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ: إِنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي خَمْسِ لَيَالٍ؛ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، وَلَيْلَةِ الأَضْحَى، وَلَيْلَةِ الْفِطْرِ، وَأَوَّلِ لَيْلَةٍ مَنْ رَجَب، وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ "، وكذلك قراءة القرآن والأذكار والقيام بالأعمال الحسنة مثل: الصّدقة وصلة الرحم وغير ذلك من الأمور التي يقوم بها الإنسان عادة من باب التطوع والتقرب إلى الله وليس اعتقادا منه أنها من باب الوجوب أو الندب في هذا اليوم والليلة بنص شرعي صحيح؛ لأنه لم يثبت في تخصيص النصف من شعبان نهارها وليلها بعبادة معينة ولا حديثٌ صحيحٌ واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما جُلُّ ما وردَ فيها آثارٌ عن بعض التابعين و أحاديث موضوعةٌ أو ضعيفة جداً.

      أيها الإخوة المؤمنون: إن شهر شعبان هو بمثابة إرشادات بين يدي شهر رمضان، ولذلك فإن التفريط في شعبان يؤثر على الخشوع في رمضان؛ قال أحد السلف: "رجب شهر الزرع، وشعبان شهر السقي، ورمضان شهر الحصاد"، وكان أحدهم إذا دخل شعبان أغلق حانوته استعدادًا لرمضان؛ وهذا هو موضوع خطبة الجمعة المقبلة - إن شاء الله وكان في العمر بقية -.

اللهم إنا نسألك أن تُبَلِّغَنا رمضان وأن تعيننا فيه على حُسْنِ صيامِ نهاره وقيام ليله...اللهم إنا نسألك الثبات على الإيمان بك وبما أنزلته على نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم... اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال.. اللهم إنا نحمدك ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم...

اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد... وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.

اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.

اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل سوء وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين .... اللهم أَعِزَّ الإسلام والمسلمين في كل مكانٍ يا رب العالمين.

اللهم فَرِّجْ هَمَّ المهمومين ونَفِّسْ كرب المكروبين واقضِ الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحمِ اللهم موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يارب العالمين...

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من اَمرنا رشدا .. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار.. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 

كتب الخطبة العبد الفقير إلى الله الأستاذ لعبيد محمد ياسين، خطيب مسجد السنة بفاس وأستاذ مادة التربية الإسلامية للثانوي التأهيلي، وذلك يومه الأربعاء 08 شعبان 1444ه الموافق 01 مارس 2022م.

تعليقات

التنقل السريع