خطبة الجمعة 42: الأَوبِئَةُ والكوارثُ الطبيعية خطابٌ من رب العالمين
الخطبة الأولى:
بسم الله الرحمان الرحيم الحمدُ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه
ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له
ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ
سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ
الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه
أجمعين؛ ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ
اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم
مُّسْلِمُونَۖ (، ) يَٰٓأَيُّهَا
اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ
وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ
اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (، )يَٰٓأَيُّهَا
اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ
لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ
وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.
أما بعد عباد الله: لا
حديثَ اليومَ إلا عنِ الزَّلَازِلِ المُدَمِّرَةِ التي وَقعت بدولتي تركيا وسوريا وامتدَّتْ
آثاره إلى البلدان المجاورة، وقبلها بسنتين – تقريبا- العالمُ كلُّه كان يتحدث
عن المرض الذي أصاب البشرية جمعاء وفَرَضَ عليها حَجْرًا صحيا لشهور وهو فيروس
كورونا؛ فما هي الآيات والعبر
التي يمكن استخلاصها من هذه الأوبئة والكوارث الطبيعية؟ هذا هو موضوع خطبة اليوم –
إن شاء الله- تحت عنوان: " الأوبئة والكوارث الطبيعية خطابٌ من رب
العالمين".
أيها
المؤمنون والمؤمنات: إن المسلم ليس كغيره في تعامله مع ما يصيب البشرية من أوبئة
وأمراضٍ وكوارث طبيعية كالزلازلِ والبراكينِ والفيضانات، فالمسلم عليه أن ينظر إلى كل من يصيب الناس من
خير أو شرٍّ بنظرٍ عميق وتبصُّرٍ شديد.
أيها المسلمون والمسلمات: إن أول ما يجب معرفته والإيمانُ به يقينا بخصوص ما يحصل للناس
في هذا الكون من خير أو شرٍّ هو أن ذلك
كُلَّهُ بإذنٍ من الله وإرادته، فلا يمكنُ أن يَحصلَ شيءٌ في هذا الكون من دونِ
إرادة الله ومشيئته؛ أخرج الترمذي في صحيحه عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما –
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )واعلم أن
الأمةَ لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ؛ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، ولو
اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ؛ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رفعتِ
الأقلامُ، وجفَّت الصحفُ(، فينبغي
أن يكون عندنا يقينٌ جازمٌ بأن الله تعالى لو أراد أن يمنع عنا وباءً أو كارثةً
لمنعَ وصولَها إلى المسلمين -رغم كيد الكائدين-، ولذلك مادام أن هذه الأوبئةَ
والكوارثَ تصيبنا نحن أيضا فمعناهُ أنها خطابٌ ورسالةُ من الله تعالى لعباده
المؤمنين وَجبَ عليهم التقاطها واستخلاصها، لأن ربَّنا سبحانه وتعالى مُنَزَّهٌ عن
العبث واللَّهو.
أخوة الإسلام: إن الله تعالى يبتلينا بهذه الأوبئة والكوارثِ ليُميِّزَ
الخبيثَ من الطيبِ، والصادقَ في إيمانه من الكاذب، والصَّابرَ المحتسبَ من
السَّاخطِ القنوط؛ فالمؤمن الحقيقي يصبرُ على البلاء ويرضى بالقضاء والقدر بل ويشكرُ
الله على ذلك لأنه يعلم يقينا أن داخل كلِّ بلاء أجرٌ عظيم وثواب جزيل، قال تعالى
في سورة البقرة: ) وَلَنَبْلُوَنَّكُم
بِشَےْءٖ مِّنَ اَ۬لْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٖ مِّنَ اَ۬لَامْوَٰلِ وَالَانفُسِ وَالثَّمَرَٰتِۖ
وَبَشِّرِ اِ۬لصَّٰبِرِينَ (154) اَ۬لذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُم مُّصِيبَةٞ
قَالُوٓاْ إِنَّا لِلهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَۖ (155) أُوْلَٰٓئِكَ
عَلَيْهِمْ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ
اُ۬لْمُهْتَدُونَۖ (156)(.
عباد الله: إن ابتلاء الله لعباده المؤمنين بمثل هذه الكوارث والأوبئة
ونقصٍ في الأموال والثمرات لتدُلُّ على غضب الله على عباده، فتكون هذه المصائب
والكوارثُ تحذيرا وتنبيها من الله لهم مِنْ أن يرجعوا إلى الله بقلوبهم وأعمالهم
بالتوبة النصوح وترك الذنوب والسيِّئات والإكثار من الطاعات؛ قال تعالى في
سورة الأعراف: )وَبَلَوْنَٰهُم
بِالْحَسَنَٰتِ وَالسَّيِّـَٔاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَۖ (168)(، وقال
أيضا في سورة الروم: ) ظَهَرَ اَ۬لْفَسَادُ فِے
اِ۬لْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتَ اَيْدِے اِ۬لنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ
اَ۬لذِے عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَۖ (40)(.
أخوة الإيمان: إن نزولَ البلاءِ بالعباد لتذكيرٌ من الله تعالى لعباده
المؤمنين أن الأمرَ بيدهِ وأنه على كل شيء قدير، فلو أراد الله تدميرَ وإهلاكَ هذا
الكون بمن فيه لفعل سبحانه ولن يعجزه ذلك؛ قال أيضا في
سورة يس:
) إِنَّمَآ
أَمْرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيْـٔاٗ اَنْ يَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُۖ (81)
فَسُبْحَٰنَ اَ۬لذِے بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَےْءٖ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَۖ
(82)(.
فاللهم إنا نسألك السلامة
في الدنيا والآخرة، نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين وبحديث سيِّدِ الأوَّلينَ والآخِرِين،
وغفرَ الله لي ولكم ولِسائرِ المسلمين، آمين، و الحمد لله رب
العالمين.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ
للهِ ربِّ العالَمينَ، والعَاقِبةُ لِلْمُتَّقينَ، ولَا عُدْوانَ إلَّا عَلَى
الظَّالِمينَ، أَحمَدُه تَعَالَى حَمْدَ الشَّاكرينَ، وأستَغفِرُه استِغفَارَ
المُنيبِينَ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لَا شَريكَ لهُ، إِلَهُ
الأوَّلينَ والآخِرِينَ، وَقَيُّومُ يومِ الدِّينِ، وأَشهدُ أنَّ سيدنا مُحمدًا
الأَمِينَ عبدُه ورسولُه إلى العَالَمينَ، صَلواتُ اللهِ وسلامُه عَلْيهِ وعَلَى
آلِهِ وصَحبِه والتَّابعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
أما بعد، عباد
الله:
إن من خطابِ الله تعالى أيضا في مثل هذه الابتلاءات
من الأوبئة والكوارث أن يُبَيِّنَ الله تعالى للإنسان المُغْتَرِّ بنفسه وماله
وسُلطانه وجَاهِهِ وعلمه ونفوذه أنه ضعيفٌ أمام قوة الله تعالى وقدرته التي لا
تُعجزها قدرة، فالله تعالى أقوى وأكبرُ من أيِّ أحدٍ كيفما كان؛ فأين الذين تكبروا
في الأرض من الأمم السابقة والحاضرة وظنُّوا أنهم فوق قدرة الله؟ أين النَّمرودُ
الذي ادَّعَى الألوهيَّةَ في زمن إبراهيم عليه السلام والذي أهلكه الله بِبَعوضةٍ
صغيرة دخلتْ أُذُنَه؟ أين فرعون الذي أغرقه الله في البحر؟ أين هامان؟ أين قارون؟
جميعُهم أهلَكَهُمُ الله بأبسطِ الجُنْدِ عِنْدَهُ؛ قال تعالى في سورة العنكبوت: ) فَكُلّاً اَخَذْنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنْهُم مَّنَ اَرْسَلْنَا
عَلَيْهِ حَاصِباٗ وَمِنْهُم مَّنَ اَخَذَتْهُ اُ۬لصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ
خَسَفْنَا بِهِ اِ۬لَارْضَ وَمِنْهُم مَّنَ اَغْرَقْنَاۖ وَمَا كَانَ اَ۬للَّهُ
لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَۖ (40)(، فاعتبروا يا أولي الأبصار والألباب.
أخوة الإيمان: إنَّ كثرةَ
الزَّلازلِ والفِتَنِ من علامات الساعة وأشراطها، روى البخاري في صحيحه عن أبي
هريرة – رضي الله عنه – أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
)لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ،
وتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، ويَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وتَظْهَرَ الفِتَنُ، ويَكْثُرَ
الهَرْجُ - وهو القَتْلُ القَتْلُ - حتَّى يَكْثُرَ
فِيكُمُ المَالُ فَيَفِيضَ(؛ فاستعِدُّوا-
رحمكم الله – لهذا اليوم العظيم الذي ستقفون فيه أمام ربكم للحساب، ولا تغفلوا عنه
بالجَرْيِ وراء ملذَّاتِ الدنيا الفانية الزائلةِ؛ فإن الموتَ وقيامَ الساعة
آتِيَانِ لا ريب فيهما وأنَّ الله يبعث من في القبور.
فاللهم إنَّا نتوبُ إليك وَنَسْتَغْفِرُكَ
من جميع الذنوب والخطايا ونسألك اللهم أن تُحْسِنَ خاتِمَتنا بالأعمال الصالحة
وبما يُرضيك عنا يا رب العالمين... اللهم إنَّا
نسألك الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من
قول وعمل ونعوذُ بك اللهم من النَّارِ وما قَرَّبَ إليها من قولٍ وعمل ... اللهم
لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على
كل حال..
اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى
الله عليه وعلى آله وسلم... اللهم
صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا
محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك اللهم على سيدنا
محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في
العالمين إنك حميد مجيد... وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي
بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى
وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين
وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى
الرشيد.
اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا
ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا
جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.
اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل
سوء وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين .... اللهم إنَّا نستودعك إخواننا المسلمين في
تركيا وسوريا وكل بلاد المسلمين.. اللهم اشفِ جرحاهم وارحم موتاهم واجْبُرْ
كسْرَهم وعوِّضهم خيرا يا رب العالمين.
اللهم إنَّا ندعوك في أحسن الأيام عندك وهو يوم
الجمعة وفي
أحبِّ البيوتِ إليك وهو بيتك الكريم، اللهم مَنْ كان من الحاضرين له طلبٌ فاقْضِهِ له .. ومن كان مريضا فاشْفِهِ
.. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ.. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه دينه... اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين
وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين... ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا
وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من اَمرنا رشدا... ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
وقِنا عذاب النار... سبحان
ربك رب
العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق