القائمة الرئيسية

الصفحات


 

خطبة الجمعة 25: توديع الحجاج بين السنة والعادات

الخطبة الأولى:
     بسم الله الرحمان الرحيم  الحمدُ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَۖ (، ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (،  )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.

     أما بعد عباد الله: نُوَدِّعُ في هذه الأيام المباركة الوُفُودَ الأولى للحجاج المسافرين لأداء مناسك الحج استجابةً لنداء الله عز وجل؛ قال الله تعالى: (وَأَذِّن فِے اِ۬لنَّاسِ بِالْحَجِّ يَاتُوكَ رِجَالاٗ وَعَلَيٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَاتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ)  الحج، الآية 25.

       أيها الإخوة المؤمنون: لتوديع الحجاج المسافرين إلى بيت الله الحرام ينبغي لنا الاِلْتِزَامُ بِهَدْيِ النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لا أن نقوم ببعض العادات السيئة والتي انتشرت في وقتنا هذا؛ ومن هذه العادات المُنْكَرَةِ ما يلي:

- توديعُ الحجاج في بعض المناطقِ بحفلاتِ الموسيقى والغناء والزغاريد، وكذلك يفعلون عند استقباله بعد أدائه لمناسك الحج.

- إثقالُ كاهلِ الحجاج بولائمَ أصبحتْ شِبْهَ واجبةٍ في عُرفِنا وعاداتنا، يَعْمَلُها الحاج في يوم وداعه وبعد عودته، فهذا ليس من السنة النبوية بل من العادات المنكرة والتي ينبغي التخلي عنها حتى من ميسوري الحال لأن كثيرا من الناس الذين لهم قدرة مالية محدودة يضطرون إلى الاِقتراضِ من أجل القيام بهذا العرف المُرهِقِ.

- حَمْلُ الحُجاج بِسَيَّاراتٍ مُزَيَّنةٍ بشرائطَ من الأقْمِشةِ والملصقات والرايات والنفخِ  بصفاراتها في الشوارع والطرقات...إلى غير ذلك مما يدلُّ على الرياء والسمعة، في حين أن المطلوبَ من الحاجِّ كِتْمانُ الأمر تحقيقا للإخلاصِ في حجِّهِ وعمله؛ جاء في الحديث المتفق عليه عن جُنْدبٍ بنِ عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: )من سمَّعَ سمَّعَ الله به ومن يُرائي يرائي الله به(، فمعنى الحديث أن الله تعالى يَفْضَحُ المُسمِّعَ والمُرائي يوم القيامة بحيثُ يُرِيهِ ثواب أعمالِهِ التي كانت رياء والناسُ يَرَوْنَ.  

- مُصاحبةُ الحاجِّ إلى المطارِ بأعدادٍ هائلةٍ من عائلته، مما يسبب الفوضى ويزيد من الاِزدحامِ؛ حتى إن رجال الأمن وموظفي المطارات يستعدون لذلك ويعتبرون هذه الفترة من أصعبِ اللحظات، زِدْ على ذلكَ تشويهُ صورة المسلمين أمام الأجانبِ والتأكيدُ على أن ديننا دينُ الفوضى وهو في الحقيقة على خلافِ ذلك وبريء من تصرفاتنا وأفعالنا البعيدةِ كلَّ البُعد عن تعاليم الإسلام.

- تبرُّجُ المُوَدِّعاتِ للحاج في المطار من نِسائه وأخواته وبناته ومعارفه، والطامة الكبرى هو أن التوديع يكون بالعِناقِ والتقبيل؛ فأين غيرةُ المسلمِ على محارمه وهو المُسافر لأداء ركنٍ عظيم من أركان الإسلام.

- استبدال كلمات الوداع المشروعة المُعَبِّرَةِ في السنة النبوية وهي "السلام عليكم .. أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه "، بكلمات غير معبرة ولا معنى لها من قبيل: " باي باي – وداعا – إلى اللقاء"؛ روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )من أراد أن يسافر فليقل لمن يَخْلُفُ: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه(.

فاللهم إنا نسألك حسن الالتزام والاقتداء بسنة نبيك، آمين، و الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:
         الحمد لله على إحسانهِ والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

          أما بعد: أيها المسلمُ المُوَفَّقُ للحج هذا العام بإذن الله ومن كان ينوي ذلك في الأعوام المقبلة إن يسر الله لك ذلك، خُذْ مني هذه التوجيهات والنصائح:

- عليكَ أن تقصدَ بِحَجِّكَ وعُمْرَتِكَ وجه الله تعالى بعيدا عن الرياء والسُّمعة ( أن يكون هدفك فقط الحصول على لقب الحاج).

- أن تحرصَ أن يكون المال الذي أنت ذاهبٌ به إلى الحجِّ حلالا طيبا ليس فيه شُبْهَة حرام، فالله طيبٌ لا يقبل إلا طيبا.

- أن تتوبَ إلى الله توبةً نصوحا من جميع الذنوب والمعاصي قبل ذهابك إلى الحج.

- أن تردَّ المظالمَ إلى أهلها، فلا يغفرُ الله لك بحجك الذنوبَ التي بينك وبين الناس.

- أن تختار رُفقةً صالحة تعينك على القيام بهذه الشعيرة على أكمل وجه وتأخذُ بيدك في حال السهو والنسيان والخطإ، لا أن تُرافقَ أهل الفسق والفجورِ والتخلف عن الصلوات، أو أصحاب اللهو واللعب وكثرة المزاح.

- أن تتجنَّبَ في الحج الرفثَ والفسوق وتبتعد عن الخصام والجدال،وتصونَ لسانَكَ من الغيبة والنميمة والسب والشتم؛ قال الله تعالى: )اِ۬لْحَجُّ أَشْهُرٞ مَّعْلُومَٰتٞۖ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ اَ۬لْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِے اِ۬لْحَجِّۖ(البقرة، الآية 196.

- أن تتحلى مع الناس بالرِّفقِ واللِّينِ في القول والمعاملة.

- أن تطلبَ من الله أن يُيَسِّرَ لك حجك ويَرُدَّكَ إلى أهلك سالما غانما بالأجر والثواب.

فاللهم ارزقنا حجةً لبيتك الكريم قبل أن تقبض أرواحنا ونسألك اللهم أن تتقبل من إخواننا الذين وفقتهم للحج هذا العام وأن تجعل حجَّهم مبرورا وسعيهم مشكورا وذنبهم مغفورا ... اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال..

اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم... اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد... وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.

اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.

اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل سوء وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب العالمين.

اللهم إنَّا ندعوك في أحسن الأيام عندك وهو يوم الجمعة وفي أحبِّ البيوتِ إليك وهو بيتك الكريم، اللهم مَنْ كان من الحاضرين  له طلبٌ فاقْضِهِ له .. ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه دينه...

اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين...

 ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار... سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

كتب الخطبة العبد الفقير إلى الله الأستاذ لعبيد محمد ياسين، خطيب مسجد السنة بفاس وأستاذ مادة التربية الإسلامية للثانوي التأهيلي، وذلك يومه الخميس 16 ذو القعدة 1443ه الموافق 16 يونيو 2022م.


تعليقات

التنقل السريع