خطبة الجمعة 24: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا
الخطبة الأولى:
بسم الله الرحمان الرحيمالحمدُ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه
ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له
ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ
سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ
الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه
أجمعين؛ ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ
اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم
مُّسْلِمُونَۖ (، ) يَٰٓأَيُّهَا
اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ
وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ
اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (، )يَٰٓأَيُّهَا
اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ
لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ
وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.
أما بعد عباد الله: نَعيشُ في هذه
الأيام المباركة استعدادَ الناسِ لِشَدِّ الرِّحالِ إلى بيت الله الحرام، استجابةً
لأمر الله تعالى بأداء فريضة الحجِّ الركنِ الخامسِ من أركان الإسلام الخمسة؛ قال الله تعالى: )وَلِلهِ عَلَى اَ۬لنَّاسِ حَجُّ اُ۬لْبَيْتِ مَنِ
اِ۪سْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاٗۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اَ۬للَّهَ غَنِيٌّ عَنِ
اِ۬لْعَٰلَمِينَۖ( آل عمران،
الآية97.
أيها الإخوة
المؤمنون: الحجُّ فُرِضَ على المسلمِ مرةً واحدةً في العمر، روى مسلم وأحمد
والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسولُ الله ﷺ
فقال:
)أيها الناسُ قد فَرَضَ الله عليكم الحجَّ فحُجُّوا، فقال رجل: أَكُلَّ عامٍ يا رسول الله؟ فسكت ﷺ ، حتى قالها ثلاثا،
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو قُلْتُ نعم
لَوَجَبَتْ وَلَمَا استطعتم(؛ قال ابنُ قُدامةَ:
"أجمعتِ الأُمَّةُ على وجوبِ الحج على المُستطيعِ في العمر مَرَّةً واحدة".
أَيُّهَا المسلمون والمسلمات: إن الحجَّ قَدْ فُرِضَ مَرَّةً
واحدةً في العمر؛ لِذلكمْ أُنبِّهُ أولئكَ المتسابقينَ إلى الحجِّ كُلَّ عامٍ أن
يتركوا مكانهم لغيرهم مِمَّنْ لم يَحُجَّ بعد، خاصةً في هذا العصرِ الذي أصبح فيه الحجُّ
يخضعُ لنظام القُرعةِ في بعضِ البُلدانِ بسبب رغبةِ أعدادٍ كثيرةٍ من الناس في الحجِّ،
ومقامُ الحجِّ لا يسمح باستيعابِ كل الوفود من كل البلدان في العالم؛ فمن يسَّرَ الله له الحجَّ مرة
وكانت عندهُ الاستطاعةُ ليَحُجَّ مرة أخرى، فليحُجَّ في بلده بالإحسانِ إلى اليتيم
والفقير والمسكين وَسَدَادِ الدَّينِ عن المدينِ وقضاء حوائجِ الناس، وأيضا يكونُ بأداء
مصاريفِ الحج عن شخص لا قدرة له على الحج، وكذلك بالإكثار من القيام بالعمرة؛ فمعلوم أن العمرةَ نافلةٌ تكون
في كلِّ أيام السنة، والغايةُ منها بالإضافة إلى التقربِ إلى الله جَبْرُ الخلل
والنقصِ الذي قد يقع فيه الإنسان عند أداء الفريضة.
أحبتي
الكرام: فرضَ الله الحجَّ على الـمُسلم الذي توفر فيه شرطُ
الاستطاعة، وهذا الشرطُ
لا يتحقق إلا بثلاثة أمور: قدرةٍ بدنية وقدرة مالية وقدرةٍ
قانونية.
- فأما القدرة
البدنيةُ: فهي قُدرةُ الشخصِ على القيامِ بمناسكِ الحجِّ جَميعِهَا
مَعَ مَا فيها من مشقة معلومة؛ ولذلكَ يُستحبُّ أن يُعجِّلَ المسلمُ أداء هذه
الفريضة عندما يكونُ في فترة الشباب والقوة، وليس العكسُ كما يعتقدُ بعض الناس الذينَ
يؤخرون أداءها حتى يَكْبُرُوا في السن وتَضْعُفَ قُواهُمُ البدنية؛ روى الإمامُ أحمد في مسنده وأصحابُ السُّننِ الأربعة
بإسناد صحيح أنَّ ابنَ عباسٍ رضيَ الله عنهما قال: قال رسولُ الله ﷺ: )مَنْ أَرَادَ الحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ،
فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ المَرِيضُ وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ وَتَعْرُضُ الحَاجَة(.
- القدرة المالية: والمقصود بها أن يكون الشخصُ قادرا على دفعِ مصاريف وتكاليف الحجِّ بعدَ أن
يتركَ لأسرته ما يكفيهم من المال أثناء غيابه، ويُكرهُ أن يَستدينَ الإنسانُ من
أجل الحج إلا من كانَ يرى أنه قادرٌ على ردِّ الدَّين، كما يُحَرَّمُ أن يقترض الإنسانُ
قرضا رِبَوِيًّا من أجلِ الحج أو يَحُجَّ بمالٍ حرام؛ فالله تعالى طيبٌ لا يقبلُ إلا طيبا.
- القدرة القانونية: أيِ أن يكون الإنسان في وضعية قانونية سليمة تسمحُ له بالتنقل والسفر لمقامِ الحج، ومن ذلك توفرُّه على جواز وتأشيرة سفرٍ تسمحانِ له بالدخول إلى بلدِ الحج، وَيكونَ قدْ مَرَّ من نظام القرعة – إن كان معمولا به في بلده-، مع التأكيد على أنه يُحرَّمُ أن يدفع الإنسانُ رشوةً من أجل ذلك. فاللهم اكتبْ لنا أداءَ فريضة الحج ويسِّرِ لنا القدرة على ذلك، آمين، و الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه،
وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد عباد الله: إنَّ
من الواجبِ علينا ونحن نُوَدِّعُ في هذه الأيام قوافلَ الحجاج إلى بيت الله الحرام
لأداءِ مناسكِ الحجِّ أن نلتزم بسنة النبي ﷺ
في توديع المسافر، لا أن نوَدِّعهم
ببعضِ العَاداتِ المُخالفةِ لديننا وَالتي دَأَبَ الناسُ القيامَ بها؛ ومما ينبغي فعله عند توديع
الحجاجِ ما يلي:
- تقديمُ وصيةٍ
للمسافرِ تنفعُهُ في دينه ودنياه، فقد كان يوصي النبيُّ صلى الله عليه وسلم بتقوى
الله والاستقامة.
- أن نستودع
اللهَ المسافرَ في نفسه ومالِه عوضَ البكاء عند توديعه، فلن يضيع من كان وديعة في
يدِ الله تعالى.
- الدعاء
للمسافر بالخير والتوفيق؛ روى الإمام
الترمذيُّ في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله إنِّي أريد سفرا فزَوِّدْني، فقال صلى الله عليه
وسلم: )زوَّدَك اللَّهُ التَّقوى قالَ زِدني، قالَ وغفرَ ذنبَك، قالَ زدني
بأبي أنتَ وأمِّي، قالَ ويسَّرَ لَك الخيرَ حيثُما كنتَ(.
- طلبُ الدعاء من المُسافرِ لأن دعاءه
مستجابٌ، وخاصةً إذا كان هذا المسافر ذاهبا لمقامِ الحج.
فاللهم ارزقنا
حجةً لبيتك الكريم قبل أن تقبض أرواحنا ونسألك اللهم أن تتقبل من إخواننا الذين
وفقتهم للحج هذا العام وأن تجعل حجَّهم مبرورا وسعيهم مشكورا وذنبهم مغفورا ... اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد
على كل حال..
اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن
الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم... اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل
سيدنا إبراهيم ، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على
سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد... وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين
المهديين أبي
بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى
وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين
وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى
الرشيد.
اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا
ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا
جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.
اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا
رخاءً آمنًا من كل سوء وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين
في كل مكان يارب العالمين.
اللهم إنَّا ندعوك في أحسن الأيام عندك وهو يوم
الجمعة وفي
أحبِّ البيوتِ إليك وهو بيتك الكريم ، اللهم مَنْ كان من الحاضرين له طلبٌ فاقْضِهِ له .. ومن كان مريضا فاشْفِهِ
.. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه دينه...
اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم
مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين...
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
وقِنا عذاب النار... سبحان
ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق