القائمة الرئيسية

الصفحات


 

خطبة الجمعة 23: من غَشَّ فليس مِنَّا

الخطبة الأولى: 

بسم الله الرحمان الرحيم الحمدُ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَۖ (، ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦوَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (،  )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.

     أما بعد عباد الله: حديثُنا اليوم – في هذه الجمعة إن شاء الله – عن ظاهرة خطيرة منتشرة ومُتَجَذِّرَةٍ في معاملاتنا، وهي للأسف من أسباب تَخَلُّفِ المسلمين في هذا الزمن وانحِطَاطِهم؛ أتحدث عن ظاهرة الغِشِّ التي أصبحتِ اليومَ قاعدة عند (المسلمين) في معاملاتهم المالية والإنسانية.

        أيها الإخوة المؤمنون: روى الإمامُ البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: )لَيَأتِيَنَّ على الناس زمانٌ لا يُبَالي المرءُ بما أخذ المال، أَمِنْ حلالٍ أمْ منْ حرام (؛ فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث قد تَنَبَّأ لِحَالِنا في هذا الزمان، لكن ما أظنُّ أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد خَطَرَ بِبَالِهِ درجة الغش التي وصلنا إليها، فلو اطَّلَعَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على معاملاتنا داخل الأسرة وفي الأسواق وفي أماكن العمل لَوَجَدَ عجبا ولَتبَرَّأ منا.

         أَيُّهَا المسلمون والمسلمات: إن من صُوَرِ الغشِّ – في واقعنا: ما يفعلهُ بعضُ التُّجار حينَ يعرضُ بضاعته على أنها من صِنفٍ جَيِّد، بينما هو يبيع أَرْدَأَ وأسوأَ الأصناف بثمنِ أجودِ الأصناف؛ وقد حصل مثلُ هذا في عهد رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقد مَرَّ يومًا في السوقِ على صُبْرَةِ طعامٍ فأدخل يده فيها، فنَالَتْ أصابِعُهُ بَلَلاً، فقال: " ما هذا يا صاحبَ الطعام؟قال يا رسول الله أصابته السماء – يعني المطر -، قال: " أفلا جعلته فوق الطعامِ حتى يراه الناسُ، من غَشَّ فليس مِنِّي " رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ كلنا يحفظُ هذا الحديث ويردده، لكن هلِ اسْتَشْعَرْنَا معناه؟ فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يتبرأُ من الغشاش، وَمَنْ تبرأ منه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم خاب وخسر في الدنيا والآخرة.

        أحبتي الكرام: من صور الغش أيضا، المُغالاةُ في الأسعار إلى أضعافِ الربح السَّائِدِ في الأسواق، فهذا من المنكر الذي ظهر في هذا العصرِ وباسم الدين حيث يقول البائع " وأحل الله البيع .."؛ ومن الصور أيضا – إخوتي الكرام - بيع الجزارِ للمشتري شاةً اشتعلَ رأسها شيبا وبلغت من الكِبَرِ عُتِيًّا على أنها شاةٌ لم تتجاوز السَّنَةَ؛ وبيعُ العسلِ المغشوش على أساس أنه عسلٌ حرٌ صافٍ نقي، وبيع اللبن مختلِطا بالماء....، والأمثلة كثيرة جدا.

     أيها المؤمنون والمؤمنات: إنَّ من صور الغش أيضا؛ عدمُ قيام الآباء والأمهات بمسؤولية تربية أبنائهم تربية حسنة؛ وعدمُ قيامِ الأستاذِ بِمُهِمَّتِه وواجبه تجاه تلاميذه؛ وعدمُ قيام الموظف والمسؤول في الدولة عموما بواجبه ومهامه وبأداءِ الأمانةِ التي كُلِّفَ بها؛ ومِنَ الغِشِّ أيضا – ونحنُ في فترة الامتحانات - لجوءُ تلاميذِنا إلى وسائل الغش في الامتحانات من أجل النجاح والحصول على شهادات لا يستحقونها، والأَدْهَى والأَمَرُّ أنه نحن الآباءُ والأمهات أصبحنا نُشجع أولادنا على هذا الأمْر، بل قد نهاجمُ ونُعاتِبُ الأستاذَ الذي لا يسمحُ لأولانا بالغش في الامتحان.

 فاعلموا – رحمكم الله – أنَّ أولادنا هم مُستقبلُ هذه الأمة وهذا البلد، فمن نجح بالغش اليوم لا ننتظرُ منه في المستقبلِ أن يكون موظفا مسؤولا أمينا صادقًا في عمله، بل سيكون غشَّاشا كسولا مُتقاعسًا عن أداء مهمته. فاللهم اجعلنا من عبادِكَ الَّذِينَ يَتَحَلَّوْنَ بالأمانةِ ويَبتعِدُونَ عن الغِشِّ، آمين، و الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:
         الحمد لله خلَقَ كلَّ شيءٍ بِقَدر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

          أما بعد عباد الله: إنَّهُ كِدْنَا أن نفقد الثِّقَةَ في بعضنا البعض، أليسَ من العيبِ أن نجدَ غيرَ المسلمينَ في الغربِ والشرقِ يَتَحَلَّوْنَ بالأمانةِ والصدقِ في معاملاتهمُ المالية والإنسانية؛ يحرصون على الكيل والميزان حِرصًا يجعلك مطمئنا، يُراقبون سلامةَ السِّلَعِ وجودتَها وأسعارَها في كل وقتٍ وحين، يُؤَدُّونَ عملهم بإخلاصٍ وتفانٍ؛ ومن كثرةِ ما اشتهروا بالأمانة والثقة والجودةِ أصبحَ تُجَّارُنا إذا ما أرادوا أن يبيعوا سِلعتهم قالوا إنها خارجيةُ الصُّنع وليست مَحَلِّيَّةً، بل حتى المواطن تجده في السوقِ يبحث عن السلعة الخارجية لأنه مُطمئنٌّ لها؛ وهذا كله بسبب ظاهرة الغش التي انتشرت في مجتمعنا بِسَبَبِنَا جميعا كلٌّ من موقعه – وما أبرئُ نفسي-.

       أيها الإخوة المؤمنون: إنَّ الحلَّ من أجل التخلصِ من هذه الظاهرةِ هو في المراقبةِ، ولا أعني بذلك مراقبةَ المفتِّشِينَ ومراقبةَ الناس للناس – وإن كان هذا أمرٌ لا بدَّ منه لأنه قد يزعُ الله بالسلطان ما لا يزعُ بالقرآن - ؛ وإنما المراقبةُ التي أعنيها هي مراقبةُ الله عز وجل في السِّرِّ والعلن التي يُفترضُ أن نَتَربَّى عليها من الصلاة التي نؤديها خمس مرات في اليوم والليلة، ومن صيامِ شهر رمضان، ومن كل العبادات المفروضة الأخرى؛ فإن لم تُخَلِّصْنا هذه العبادات من هذه الظاهرة وتَجعلْنا أُمَناءَ في معاملاتنا، وجبَ أن نُعيدَ النظر في أدائنا لهذه العبادات لأنه من الأكيد أننا نقومُ بها على غير حقيقتها من دون خشوع وإخلاصٍ لله تعالى.

فاللهم ارزُقنا حُسنَ الالتزام بدينك وشريعتك... اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال..

اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم... اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم ، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد...

وارض اللهم عن الخلفاء  الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.

اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.

اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل سوء وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين في كل مكان يارب العالمين.

اللهم إنَّا ندعوك في أحسن الأيام عندك وهو يوم الجمعة وفي أحبِّ البيوتِ إليك وهو بيتك الكريم ، اللهم مَنْ كان من الحاضرين  له طلبٌ فاقْضِهِ له .. ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه دينه...

اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين...

 ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار... سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

كتب الخطبة العبد الفقير إلى الله الأستاذ لعبيد محمد ياسين، خطيب مسجد السنة بفاس وأستاذ مادة التربية الإسلامية للثانوي التأهيلي، وذلك يومه الأربعاء 01 ذو القعدة 1443ه الموافق 01 يونيو 2022م.


تعليقات

التنقل السريع