الخطبة الأولى: إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصحَ الأمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين:
أما بعد عباد الله: لقد ترك الناس اليوم عبادة من العبادات المهمة والتي ينبغي على المسلم القيام بها والمداومة عليها، وللأسف فالكثير من الناس يجهلون على أنها عبادة من العبادات، هذه العبادة هي حمد الله وشكره.
أخوة الإيمان: لقد ابتدأ الله كثيرا من السور القرآنية بالحمد والثناء لنفسه، وذلك ليُعلمنا أن نحمده ونشكر فضله على كل النعم التي منحنا إياها وهي كثيرة لا تُعدُّ ولا تُحصى، ومن أمثلة هذه السور نجد سورة الأنعام حيث افتتحها الله بقوله: ” الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور”، فالكون بهذا النظام الدقيق والتدبير المحكم يستحق منا الحمد والشكر؛ وافتتح الله تعالى أيضا سورة الكهف بالحمد فقال سبحانه: ” الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا “، وذلك ليعلمنا أن نحمد الله ونشكره على نعمة القرآن الذي أنزله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ وافتتح الله تعالى أيضا سورة الفاتحة التي فرض علينا قراءتها في كل ركعات الصلاة السرية والجهرية بالحمد، فقال سبحانه: ” الحمد لله رب العالمين “، إلا ليُعلمنا الأدب معه سبحانه وتعالى.
عباد الله: ما معنى الحمد والشكر؟ لن أدخل بكم في تفاصيل اختلاف اللغويين والبلاغيين والمفسرين في كلمتي الحمد والشكر، ولكن يكفينا أن نشير ونتعرف إلى أن المقصود من اللفظين “الحمد والشكر “: الثناء على الله والاعتراف بفضله وجميله ونعمه،لكن يبقى التساؤل الأهم: كيف نحمدُ الله ونشكرُه على نعمه؟
أجاب عن هذا السؤال الإمام ابن القيم رحمه الله بقوله: ” شكر الله يكون بظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناء واعترافا، وعلى قلبه شهودا ومحبة وعلى جوارحه انقيادا وطاعة “.
أقف بكم أخوة الإيمان عند هذا التعريف الجامع، لنستخلص منه كيفية شكر الله وحمدِه ؛
فأولا إن شكر الله يكون باللسان: فكلما استحضر الإنسان نعم الله عليه العديدة وتحسَّسها وجب عليه أن يشكر الله بلسانه جهرا فيقول ” الحمد لله “، كما علمنا ذلك القرآن الكريم في أدعية الأنبياء، مثل دعاء إبراهيم عليه السلام، قال الله تعالى على لسان إبراهيم: ” الحمد لله الذي وهب لي على الكِبَر إسماعيل وإسحاق ” سورة إبراهيم الآية41، وكما علمنا أيضا رسولنا الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وسلم في كثير من الأدعية التي كان يفتتحها بالحمد لله، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ” الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا “.
ثانيا إن شكر الله يكون أيضا بالقلب: عن طريق الاعتقاد الصادق واليقيني بأن صاحب النعم هو الله تعالى، فإن لم يشكر الإنسان بقلبه عن طريق ما ذكرنا دخل إليه الشيطان ووسوس له أنه هو صاحب النعمة التي حصل عليها، وهذا ما حصل مع قارون عندما قال في قوله تعالى: ” قال إنما أوتيته على علم عندي ” سورة القصص الآية78، وكما قال صاحب الجنتين في قوله تعالى عندما دخل إلى جنتيه: ” ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منهما منقلبا” سورة الكهف الآية35.
ثالثا إن شكر الله يكون أيضا باستعمال النعم واستغلالها: والانتفاع بها في ما يرضي الله وفي ما ينفع الناس والمجتمع، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ” رواه البخاري، فإذا أعطاك الله مثلا مالا ينبغي أن تنتفع به في ما يرضي الله وفي حدود المعقول أي بدون إسراف ولا تبذير، وكذلك ينبغي أن تنبغي به غيرك من الناس وتفيد به مجتمعك، لأن الله هو من وَهَب لك المال وهو من أعطاه لك وديعة وأمانة. فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية: الحمد لله وحده والشكر لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد عباد الله: إن شكر الله على النعم له فوائد وثمرات أذكر أهمها:
– بشكرك لله تعالى فإنك تؤدي حق الله عليك، لأن النعم التي أنت فيها هي من كرم الله وجوده عليك، فلو أراد أن يأخذها منك لأخذها كما حصل مع قارون وصاحب الجنتين.
– تحقيق كمال العبودية لله تعالى، فبشكر الله وحمده على النعم نُحقق تمام العبودية له سبحانه، لأننا ننسب النعم إلى واهبها الحقيقي وهو ربنا سبحانه وتعالى.
– نيل محبة الله ورضاه، وإذا أحبك الله زادك من فضله وجوده ونعمه، قال تعالى: ” وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ” سورة إبراهيم الآية9.
– شكر الله سبب لزوال العذاب عن الإنسان في الدنيا والآخرة، قال تعالى ” ما يفعلُ الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ” سورة النساء الآية 146، وما قلة المطر اليوم إلا بسبب غفلتنا عن حمد الله وشكره سبحانه.
– شكر الله على النعم يزيد من تعلقك بالله ومحبته له، لأن الإنسان جُبِلَ على محبة من يُحسن إليه.
أيها الإخوة المؤمنون: لقد منَّ الله علينا بنعم كثيرة لا تُعدُّ ولا تُحصى، قال الله تعالى: ” وإن تعدّوا نعمة الله لا تُحصوها ” ، إلا أن قليلا من الناس من يُقدِّرُ هذه النعم بشكر الله عليها، قال تعالى ” وقليل من عباديَ الشكور” سورة سبأ الآية 13 ، لذلكم ينبغي أن نحرص كل الحرص على أن نكون من هؤلاء القلَّة من عباد الله الشاكرين، فاللهم اجعلنا من عبادك الشاكرين.
اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال، اللهم لك الحمد كله ولك الشكر كله.
اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم ، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأره الحق حقا وارزقه اتباعه وأره الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.
اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.
اللهم فرج هَمَّ المهمومين ونَفِّسْ كرب المكروبين واقضِ الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحمِ اللهم موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يارب العالمين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار،سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق