القائمة الرئيسية

الصفحات



الخطبة الأولى:

          إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصحَ الأمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين:

أما بعد عباد الله: لقد منَّ الله علينا بنعم كثيرة لا تُعدُّ ولا تُحصى، قال الله تعالى: ” وإن تعدّوا نعمة الله لا تُحصوها إن الله لغفور رحيم ” سورة النحل، الآية18 ، إلا أن قليلا من الناس من يُقدِّرُ هذه النعمَ بشكر الله وحمده عليها، قال تعالى ” وقليل من عباديَ الشكور” سورة سبأ الآية 13.

       أخوة الإيمان: إن مما يجعل كثيرا من الناس لا يلتفتون إلى هذه العبادة المهمة وهي شكر الله على النعم، هو أنهم لا يُحِسُّون بالنعم الكثيرة التي منحها الله لهم ولا ينتبهون ربما إليها، وإنما ينظرون فقط إلى ما ينقصهم وإلى ما عند غيرهم من النعم، لذلكم أحبتي الكرام لا بد من تحلِّي الإنسان بخلق عظيم حثَّنا عليه الإسلام ألا وهو التحلي بالقناعة والرضا، وهذا هو موضوع خطبة اليوم إن شاء الله.

       عباد الله: أولا علينا أن نعلم أنه لا يُوجد في هذا الكون شخص يملك كل النعم مهما كان، لأن صفة الكمال لله وحده وصفة النقص للمخلوق، بل إنك إذا تأملت في كل إنسان – سواء كان ملكا أو وزيرا غنيا أو فقيرا صغيرا أو كبيرا صحيحا أو سقيما –  فإنك ستجده محروما من كثيرٍ من النعم التي ربما تملكها أنت، قال الله تعالى: ” يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ” سورة فاطر، الآية15.

فالفقر  ليس بمعناه الْعَامِّيِّ المتداول بيننا وهو أن يكون الإنسان من دون مال، ولكن الفقر أيضا قد يكون في الصحة أو في العقل أو في الأولاد أو في الزوج الصالح ….، لذلكم فالكمال لله وحده فهو الغني الحميد، أما الإنسان فمهما كان عنده من النعم فهو فقير إلى الله ومحتاجُ إليه دائما وأبدا.

       ثم ثانيا: علينا أن نعلم من الذي تكلَّف بقسمة الأرزاق والنعم بين الناس؟ هل الإنسان هو الذي يمنح نفسه النعم؟ أهو الذي يُعطي لنفسه الأولاد والأموال والصحة؟ أم أن الله تعالى هو الذي تكلَّف بهذا الأمر؟

الجواب في قول الله تعالى: ” أَهُمْ يَقسمون رحمتَ ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجات ليتخذَ بعضهم بعضا سُخريا ورحمتُ ربك خير مما يجمعون” سورة الزخرف، الآية32، فالله تعالى يستنكر  في هذه الآية على أولئك الذين يظُنُّون أنهم هم من تكلفوا بمنح أنفسهم النعم والأرزاق، ثم يؤكد سبحانه بعد ذلك على أنه هو من تولى قسمة النعم والأرزاق بين الناس بالعدل والحكمة، إذِ الله أعطى للإنسان نعماً وحرمه من أخرى ليس بشكل عَبَثِيٍّ –  وهو سبحانه مُنَزَّهٌ عن العبث – ، وإنما لحكمة قد نستطيع إدراكها وقد لا نُدركها لكن يعلمها الله سبحانه وتعالى، وفي آخر الآية يبين الله عز وجل  المقصد من تقسيم الأرزاق بين الناس ألا وهو  تسخير الإنسان لخدمة أخيه الإنسان، وهذا هو معنى قوله تعالى: “ليتخذ بعضهم بعضا سُخريا ” ، فالله سبحانه وتعالى أرادنا أن نعيش أُمَّةً واحدة يخدم بعضنا بعضا، وكذلك أراد أن يبتليَ من أعطاه نعمة معينة هل سيُسخرها لنفسه فقط؟ أم أن هذا العبد المنعَمَ عليه سيُسخر النعمة التي أعطاه الله لنفع غيره وخدمة مجتمعه وأمته ووطنه، وهذا هو المطلوب من الإنسان المسلم الذي وللأسف أصبحنا نفتقده اليوم في المسلمين، فأكثر الناس – ولا أُعمِّمُ – أصبح أنانيًّا لا يخدم ولا ينفع إلا نفسه، كل واحد منا يعيش لنفسه، أما غيرنا اليوم من غير المسلمين فيعيشون لأنفسهم وغيرِهم ويُسَخِّرون ما عندهم من النعم لخدمة غيرهم وخدمة وطنهم وأمَّتهم، وهذا ما يفسر تقدمهم اليوم وتخلُّفنا نحن المسلمين.

       عباد الله: إذا عرفنا أن الله تعالى هو المنعِمُ الحقيقي وأنه سبحانه من تكلَّف بقسمة الأرزاق بين الناس، وجب علينا أمرين:

• القناعة والرضا بما قسَمَ الله  لنا من رزق وشكرُه وحمدُه عليه.

• عدمُ الطمع والتطلعِ إلى ما في أيدي الناس حسدا وحقدا، لأن نظرك إلى الغير لا يجعلك تنتبه إلى ما عندك من النعم. جعلني الله وإياكم من عباده الشاكرين القانعين الراضين بما قسم الله لهم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

          الحمد لله وحده والشكر لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

        أما بعد عباد الله: لقد حثَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على التحلي بالقناعة والرضا في وصيته المشهورة لأبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال له: ” وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس” أخرجه الترمذي، فهذه الوصيةُ وصيةٌ لنا جميعا، والمتأمل فيها سيجدها دواء ناجعا لآفات الطمع والجشع والحسد والحقد، ومن هذا الحديث ترك لنا أجدادنا مثلا له نفس ما جاء في مضمون الحديث وهو: ” القناعة كنز  لا يفنى “.

       أيها الإخوة المؤمنون: لكيْ يساعد الإنسان نفسه على التحلي بهذا الخلق الرفيع، يحتاج إلى قراءة سيرة الصالحين الأتقياء الذين اتصفوا بالقناعة والرضا وعلى رأسهم سيد الخلق القدوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أورد الإمام الترمذي رحمه الله في كتاب الزهد حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثَّر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله لو اتخذنا لك وِطاءٍ، فقال صلى الله عليه وسلم: ” مالي وللدنيا ما أنا والدنيا إلا كرَاكِبٍ استظل تحت شجرة ثم راح فتركها “، فرسولنا الكريم لو طلب من الله أن يكون أغنى الناس لكان كذلك ولأعطاه الله ما يريد، لكنه عرف حقيقة الدنيا أنها زائلة فانية مهما ملكَ الإنسان فيها، وأن الدنيا لا تُساوي عند الله جناح بعوضة، وأن ما عند الله خيرٌ وأبقى.

 اللهم اجعلنا من عبادك القانعين بما رزقتهم الشاكرين لنعمك، اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال، اللهم لك الحمد كله ولك الشكر كله، اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم ، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

وارض اللهم عن الخلفاء  الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأره الحق حقا وارزقه اتباعه وأره الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.

اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.

اللهم فرج هَمَّ المهمومين ونَفِّسْ كرب المكروبين واقضِ الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحمِ اللهم موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يارب العالمين.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار،سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

كتب الخطبة العبد الفقير إلى الله الأستاذ لعبيد محمد ياسين، خطيب مسجد السنة بفاس وأستاذ مادة التربية الإسلامية للثانوي التأهيلي، وذلك يومه الجمعة 20 ربيع الآخر 1443ه الموافق 26 نونبر 2021م.

تعليقات

التنقل السريع