الخطبة الأولى:
الحمد لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصحَ الأمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين:
أما بعد عباد الله: لقد أنعمَ الله علينا في هذا العصر بتقدم الصناعة والاكتشافات والاختراعات؛ والتي سيطرت اليوم على جميع جوانب حياتنا، ومن هذه الأمور التي بُنِيَتْ عليها حياتنا اليوم الهواتف المحمولة، بحيث لا يوجد إنسان اليوم لا يملك هاتفا محمولا أو أكثر، يحمله معه حيثما حل وارتحل، في البيت وفي العمل وفي الدراسة وفي الطريق؛ تجد الإنسان دائما يَتَطَلَّع إليه؛ فيكونُ هاتفُه المحمول آخرَ ما يَطَّلِع عليه قبل خلوده للنوم ، وهو أولُ ما يَطَّلِع عليه بعد استيقاظه ليستعرض المكالمات والرسائل.
أخوة الإيمان: إن الهواتف المحمولة فيها منافعُ كثيرة متطورة؛ وفيها أيضا مفاسدُ كبيرة وخطيرة؛ فما هي منافعها المتطورة وما هي مفاسدها الخطيرة؟
عباد الله: إن منافع الهاتف المحمول المتطورة كثيرة جدا أذكر منها ما يلي:
– أنه يُقَربُ منك كل بعيد، ويحمل إليك أخبارَ من تُحِبُّ؛ ويكون سببا في برك بوالديكَ عندما يتعذر عليك زيارتهم لبُعْدِ المسافة وطول الغياب.
– يُعينك على عيادةِ المرضى، وصلةِ الأرحام مع الأقارب، والسؤالِ عن الأصحاب، والتعرفِ على أصدقاء جدد.
– يُساعدك في مراقبة أولادك، وتقديم العون لجيرانك، والإصلاح بين المتخاصمين.
– تراقب به عملك وبيتك ومسؤولياتك، فيجعل عالَـمك وأعمالك بين يديك.
– يقضي لك الأغراض المستعجلة في وقت وجيز.
– توظفه في البيع والشراء، وفي التجارة، وغيرها من الأعمال..
– تستعين به على معرفة الجديد من الأخبار، وما يدور حولك في العالم من جديد.
– يُمَكِّنُك من التعرف على أصناف شتى من العلوم في كل المجالات؛ الدينية، والاجتماعية، والاقتصادية، والطبية، وغيرها.
– يُسًهل عليك المدوامةَ على تلاوة القرآن الكريم والاستماع إليه من خلال برامج؛ وأيضا ينبهك للصلاة في وقتها، فيُعْلِمك بدخول الوقت لتستعد لأداء الصلاة في وقتها.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: هذه بعض منافع الهاتف المحمول وإيجابياته، ولكن ينبغي التنبيه أيضا أن للهاتف المحمول مفاسد خطيرة متعددة، أذكر منها الآتي:
– إن خبراء الصحة يدقون ناقوس الخطر ويحذرون من أمور خطيرة يتسبب فيها الهاتف المحمول، منها الإدمان؛ أي أن الإنسان الذي يستعمل الهاتف بشكل مُفرِطٍ لا يستطيع التخلص منه ولا الاستغناء عنه، وخاصة لا بُدَّ من التنبيه والتحذير من إدمان الأطفال الصغار عليه، فبسببه جعل أطفالنا يعانون من بلادة في التفكير وعدم الاهتمام بالدراسة والقيام بالواجبات، وقد أكدت دراسة علمية على أن الطفل لا يمنح له الهاتف وكل الألعاب الإلكترونية إلا بعد وصوله لاثني عشرة سنة وتمنح له لمدة نصف ساعة يوميا على الأكثر.
– ومن مفاسده الإضرارُ بالعينين جراء الأشعة التي يُصدرها، ومنها الإشعاعات التي يحملها إليك ما يسمى “الريزو” و”الويفي”، وقد قيل إنها تشكل خطرا كبيرا على الدماغ، فتُسَبِّب الألم والصداع…
– ومن مفاسده أيضا: تضييع الأوقات، وإفساد العائلات بالصور والإشاعات، وغياب الحوار داخل الأسر؛ لأن كل واحد مشغول بهاتفه، وهذه ظاهرة سيئة أفسدت المجالس واللقاءات.
– وكذلك من مفاسده: إزعاج المصلين والتشويشُ عليهم بنغماته في المسجد وقت الصلاة عند ترك الهاتف مفتوحا.
– استعماله في التجسس على عورات الناس، وتصوير النساء لا سيما في المناسبات واﻷعراس، فقد كان ذلك سببا في تشَتُّتِ كثيرٍ من الأسر بالفراق والطلاق.
– ربط العلاقات المحرمة بالهاتف بين الشباب والفتيات، وخصوصا في رحاب المدارس والجامعات.
أسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ ينفعنا بهذه النعمة وأن يُبعد عنا مفاسدها وخطرها، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله المَنَّان، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد عباد الله: إن المسلمَ العاقلَ هو الذي يستفيد من منافعِ الهاتف المتطورة التي ذكرنا، ويبتعدُ عن الوقوع في مفاسده الخطيرة، فلا يهتكُ به الأعراض، ولا ينشرُ بها الإشاعات والجرائم، ولا يستعمله في الغيبة والنميمة والكذب والزور والبغاء والغش والخديعة والخيانة، وغير ذلك من المفاسد الخطيرة المُهلكة للدين والعباد؛ فمن وَقع في هذه المفاسد فعليه بالاستغفار والتوبة والرجوع إلى الله ليَدخل في قول الله تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} سورة التوبة الآية102، ؛ وقد قال النبيﷺ: «كُلُّ بَني آدمَ خطَّاءٌ وخيرُ الخَطَّائينَ التَّوابونَ” رواه الترمذي وغيره.
أما من لم يَتُب إلى الله واستمر في استعمال هذه النعمة في ما لا يُفيد ولا يُرضي الله عز وجل، فليعلمْ أنه يدخل في قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ” سورة النور الآية19.
فاللهم إنا نعوذ بك من استعمال نِعَمك في ما لا ينفع… اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال.. اللهم لك الحمد كله ولك الشكر كله، اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم ، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد…
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.
اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.
اللهم فرج هَمَّ المهمومين ونَفِّسْ كرب المكروبين واقضِ الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحمِ اللهم موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يارب العالمين…
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق