الخطبة الأولى:
الحمد لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصحَ الأمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين:
أما بعد عباد الله: نُودِّعُ في هذه الأيام عاما ميلاديا ونستقبل عاما ميلاديا جديدا – هذا إن قُدِّرَ لنا أن نكون من الأحياء – ، والسؤال الذي سنُجيبُ عنه – بحول الله وقوته – في هذه الخطبة الموجزة المختصرة هو: كيف ينبغي للمسلم أن يستقبل هذه السنة الميلادية الجديدة؟
أخوة الإيمان: في البداية لا بدَّ من التأكيد على أن التقويم الميلادي أصبح مشتركا إنسانيا بغض النظر عن جنسهم وجنسيتهم وعقيدتهم، فالناس جميعا أصبحوا يحتكمون إليه حتى المسلمون أنفسهم، لذلك وجب عدم ربط دخول السنة بما يعـتـقده النصارى في عيسى عليه السلام، فمن يقول اليوم بتجاهل هذا التقويم نسأله: أيُّ تاريخ قانوني وواقعي تتعاملُ به اليوم في معاملاتك والتزاماتك؟ جوابنا جميعا هو التقويم الميلادي، وقلَّما – للأسف – نستحضر العام الهجري – وهو المطلوب وما نتمناه جميعا – إلا في المناسبات الدينية.
عباد الله: إن الواقع يفرِضُ علينا اليوم أن نستحضر دخول هذه السنة الجديدة وأن نستقبلها، ولكن السؤال كيف؟ لأن استقبال المسلم لأيام الله ينبغي أن يختلف عن غيره من الناس أصحاب العقائد الأخرى.
فأولا: إن دخول هذه السنة الجديدة فرصةٌ يتذكر فيها المسلم أن الأيام تذهبُ، والعمرَ يتآكل، بمعنى أن ذهاب سنة ومجيء أخرى هو أن عمرنا في تناقص، وأننا اقتربنا من أَجَلِنَا المحتوم.
ثانيا: إذا استوعب الإنسان المسلم أن عمره يتناقص بدخول سنة جديدة، فيجبُ عليه أن يقف مع نفسه في بداية هذه السنة من أجل محاسبة نفسه ومساءلتها عن ما فعله في ما مضى من السنوات، ماذا قدَّمَ ليوم الحساب من أعمال صالحة؟ وماذا ضيعَ على نفسه من أعمال الخير والبرِّ؟ وكيف أفنى عمره الذي مضى، أفي طاعة الله وما يُرضيه؟ أم في ما يُغضبه عز وجل ويَعصيه؟ فالمسلم يجب عليه أن يستغل هذه المناسبة لإعادة حساباته مع الله من كافة الجوانب، ويُجيب عن هذا السؤال: هل أنا مستعدٌّ للوقوف بين يدي الله عز وجل الله أم لا؟
ثالثا: لا ينبغي على المسلم في هذا اليوم أن يتبادل الهدايا أو يُزين أشجارا ولا يُضيء أنوارا، ولا شيئا من ذلك مما اعتاد الناس القيامَ به في مثل هذه المناسبة تشبُّها بغيرنا، وعليه أيضا أن يجتنب أماكن الفِسق والخمور والفجور.
رابعا: يحرم على المسلم الاعتداءُ على الغير ممن يعتبرون هذه الأيام عيدا ويحتفلون بها بطقوسهم وعاداتهم وتقاليدهم – مادام أنهم لم يعتدوا علينا – حتى لو وُجدوا في بلدك، لأنهم أيضا يسمحون لنا نحن المسلمين في بلدانهم ببناء المساجد وممارسة شعائرنا التعبدية بكل حرية ومن دون اعتداء أو اضطهاد إلا من بعض المتطرفين منهم ، لأنه كما يُوجد منا متطرفون في تطبيق شريعة الإسلام يُوجد أيضا منهم مُتَطرفون، لكن ينبغي أن نكون نحن القدوة وأن نُعطي المثال الحسن في التسامح وعدم الاعتداء على الآخَر المخالف لنا في العقيدة والدين حتى لو كان جارُك، وهذا ليس ضعفا أو مجاملة أو مُحاباة وإنما هو حقٌّ لهم أمرنا الله به، حيث قال سبحانه وتعالى في سورة البقرة: ” لا إكراهَ في الدين ” الآية 256 ، وقال أيضا في سورة الكهف: ” وقلِ الحق من ربكم فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر” الآية 29 ، وقال سبحانه في سورة الأنعام: ” ولا تَسُبُّوا الذين يدعون من دون الله فيسُبُّوا الله عدوا بغير علم” الآية 108.
أسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ ينفعنا بما سمعنا وأن يَهدينا إلى الصواب وطريق الرشاد، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله أمرنا بالإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله بعثه الله هاديا وبشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد عباد الله: إن دعوة البعض اليوم إلى الاهتمام بالتقويم الهجري على حساب التقويم الميلادي لتحقيق استقلالية المسلمين عن غيرهم مطلب نتمناه جميعا، لكن قبل ذلك وجب تحقيق استقلاليةٍ في التعليم والصحة والاقتصاد والصناعة والسياسة وغيرها من الجوانب، لأنه بذلك تستطيع أن تفرِضَ التقويم الذي تريد وتُلزم به الغير حتى من غير المسلمين، وما يُحْسَبُ للسنة الميلادية على الأقل أنها وحَّدت الناس جميعا في كل بقاع العالم على تاريخ واحد، أما التقويم الهجري اليوم فلا يزال يحتاج أولا إلى أن تتوحد قلوبنا نحن المسلمين على كلمة سواء حتى يكون مطلعُ شهورنا القمرية واحدا ومطلعُ شهر رمضان واحدا ويومُ عيدنا واحدا ومطلع عامنا الهجري واحدا.
فاللهم إنا نسألك أن تُوَحِّد قلوب المسلمين على دينك وأن تردُّنا إلى دينك ردًّا جميلا… اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَاجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.
اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على كل حال..
اللهم لك الحمد كله ولك الشكر كله، اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين، وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم ، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد…
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يَعِزُّ من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، لك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك.
اللهم وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.
اللهم أصلح أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.
اللهم فرج هَمَّ المهمومين ونَفِّسْ كرب المكروبين واقضِ الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحمِ اللهم موتانا وموتى المسلمين وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يارب العالمين…
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق