خطبة الجمعة 34: ذكرى المولد النبوي الشريف والمغزى منها
الخطبة الأولى:
بسم الله الرحمان الرحيم الحمدُ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِه اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً، بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأُمّةَ، صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ حَقَّ تُق۪اتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَۖ (، ) يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ (، )يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاٗ سَدِيداٗ يُصْلِحْ لَكُمُۥٓ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًۖ (.
أما بعد عباد الله: في
شهر ربيع الأول من كل عام هجري تُشرق علينا ذكرى ميلادِ نبي الرحمة المهداة محمد
بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، ففي يوم الإثنين الموافق للثاني عشر من هذا
الشهر في عام الفيل – على أرجح الأقوال – وُلد الرسول ﷺ مُبَشِّرًا
بميلادِ عهدٍ جديد، قال الله تعالى: ) قَدْ جَآءَكُم مِّنَ
اَ۬للَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ (17) يَهْدِے بِهِ اِ۬للَّهُ مَنِ اِ۪تَّبَعَ
رِضْوَٰنَهُۥ سُبُلَ اَ۬لسَّلَٰمِۖ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ اَ۬لظُّلُمَٰتِ إِلَي
اَ۬لنُّورِ بِإِذْنِهِۦۖ وَيَهْدِيهِمُۥٓ إِلَيٰ صِرَٰطٖ مُّسْتَقِيمٖۖ(18) (سورة
المائدة؛ ففي ذلك اليوم
الأغَرِّ المبارك ازدانتِ الدنيا وأشرق الكون بميلاد خير مولود هو سيدنا محمد صلى
الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المؤمنون والمؤمنات:
إنَّ الفرح بمولده ﷺ فرحٌ بالنعمة العظمى، وقد قال الله تعالى في سورة
يونس: )قُلْ بِفَضْلِ
اِ۬للَّهِ وَبِرَحْمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٞ مِّمَّا
يَجْمَعُونَۖ( الآية 58؛ فالفرح بمولده ﷺ في هذا اليوم وفي هذا الشهر أمر محمود وإن
كان ذلك مطلوبا في أيام السنة كلها، لكن التساؤل: كيف يكون هذا الفرح؟ وكيف يكون
هذا الابتهاج؟ وما المغزى من هذا الفرح والتذكر؟
أيها المسلمون والمسلمات: إن الفرح بمولد
الرسول ﷺ لا ينبغي أن يصل
إلى درجة جعل هذا اليوم عيدا شرعيا، أي أنْ نَخْتَصَّهُ بصلاة أو نُسُكٍ كذبح
قربان كما نفعل في عيد الأضحى أو نصنع له الحلويات، وغيرِ ذلك مما يجوز شرعا في
الأعياد الشرعية المنصوص عليها وهما عيدَا الفطر والأضحى، فالقيام بهذا مُعتقدينَ
أنه من الشرع وإلزام الناس به لا يجوز شرعا ولا يصح في الفرح بمولده ﷺ؛ فكيف
يكون الفرح والاحتفال بمولده ﷺ من
دون أن نقع في المحظور؟ ذلك ما سأبينه إن شاء الله في ما يأتي:
أيها الإخوة
المؤمنون:
إن
الفرح بمولد رسولنا الكريم ﷺ ينبغي
أن يكون بتجديد صلتنا وارتباطنا بالسيرة النبوية التي تُمَثِّلُ سبيل النجاة للإنسانية،
فكثير منا يفرح في هذه الأيام بمولده ﷺ، وقد يُقيم الولائم والمأدُبَاتِ لذلك، ولكن إن سألته عن
سيرة نبيه وما يعرف عنه لَوَجَدْتَهُ يجهل عنه الشيء الكثير مما ينبغي معرفته،
ولذلك أقترح في مثل هذا الشهر الإكثارَ من الندوات والأيام الدراسية التي تُعَرِّفُ
بسيرة نبينا الكريم وكذلك تنظيمُ مسابقاتٍ للناشئة في سيرة رسول الله ﷺ.
إن الفرح والاحتفاء الحقَّ بمولد النبي ﷺ يكون بِمَحَبَّتِهِ وتجديد هذه
المحبة وتقويتها، فمن حَقِّ المصطفى ﷺ علينا أن نُحِبَّهُ أكثر من مَحَبَّتِنَا لِآبائنا وأمهاتنا
وأولادنا وأزواجنا والناس أجمعين، روى الإمامُ البخاري عن أنس بن مالك رضي الله
عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ) لَا
يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ ووَلَدِهِ
والنَّاسِ أجْمَعِينَ(؛ وهذا ليس بالأمر الهَيِّنِ والسَّهْلِ كما
نعتقد، بل هو أمر صعب يحتاج إلى ارتباط قوي ووثيق بسيرة النبي ﷺ خاصة وأنه ليس معنا ولا تَراهُ
بأعيننا، فمن لم يربط نفسه بسيرة رسول الله ﷺ لا يمكن أن يصل إلى هذه الدرجة من المحبة التي تفوق
محبة الوالدين والأولاد والزوج والناس أجمعين.
ومن الفرح أيضا بمولده ﷺ الحرصُ على الاقتداء والتأسي به في أخلاقه وأفعاله كلٌّ
مِنْ مَوْقِعِهِ ومُهِمَّتِه وَمِهْنَتِه، واتباعُ منهجه على قدرِ المُستطاع؛ قال الله تعالى: ) لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِے رَسُولِ اِ۬للَّهِ
إِسْوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ اُ۬للَّهَ وَالْيَوْمَ اَ۬لَاخِرَ
وَذَكَرَ اَ۬للَّهَ كَثِيراٗۖ (2( ( سورة الأحزاب،
وقال سبحانه أيضا: ) قُلِ اِن
كُنتُمْ تُحِبُّونَ اَ۬للَّهَ فَاتَّبِعُونِے يُحْبِبْكُمُ اُ۬للَّهُ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۖ وَاللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞۖ (31)
( سورة آل عمران؛ فاللهم ارزقنا
محبتك ومحبة نبيك محمدٍ ﷺ
ووفقنا لحسن الاقتداء به واتباعه، نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين وبحديث سيِّدِ الأوَّلينَ والآخِرِين،
وغفرَ الله لي ولكم ولِسائرِ المسلمين، آمين، و الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، والعَاقِبةُ لِلْمُتَّقينَ، ولَا عُدْوانَ إلَّا عَلَى الظَّالِمينَ، أَحمَدُه تَعَالَى حَمْدَ الشَّاكرينَ، وأستَغفِرُه استِغفَارَ المُنيبِينَ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لَا شَريكَ لهُ، إِلَهُ الأوَّلينَ والآخِرِينَ، وَقَيُّومُ يومِ الدِّينِ، وأَشهدُ أنَّ سيدنا مُحمدًا الأَمِينَ عبدُه ورسولُه إلى العَالَمينَ، صَلواتُ اللهِ وسلامُه عَلْيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحبِه والتَّابعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
أما بعد، عباد
الله:
إن الفرح بمولد سيدنا رسول الله ﷺ يكون بالافتخار بهذا الرجل العظيم والانتساب إلى أمته،
فَغيرُنا من الأمم اليوم يفتخرون بزعمائهم ويجعلونهم قدوة ورمزا وتُسَمَّى
المطارات والعواصمُ والمدنُ بأسمائهم، وإلى غير ذلك من مظاهر الاعتزاز بهذه
الشخصيات، إلا نحن أمةَ محمدٍ ﷺ لا تكاد تجدنا نفتخر ونعتز بانتمائنا لأمة هذا الرجل
العظيم، قد نعتز به كلاما وقولا ولكن سلوكا ومظهرا يكاد الأمر يكون غائبا.
أخوة الإيمان: إن ذكرى المولد النبوي الشريف هي فرصةٌ للدعوة إلى الله أولا، ثم تعريفُ
الناس - وخاصةً غير المسلمين - بأخلاقه وآدابه، بحياته وسيرته، بمعاملاته مع الناس
المسلمين وغير المسلمين، مع جيرانه، مع زوجاته وأولاده وأحفاده، مع أعدائه، خصوصا
في هذا الزمن الذي شَوَّهْنَا فيه نحن المسلمين صورة الإسلام والقرآن ورسولنا
الكريم بسلوكياتنا ومعاملاتنا المنحرفة؛ لذلك من فوائد هذه الذكرى أنها تذكيرٌ
لنا نحن المسلمين أولا بأخلاق هذا النبي الكريم وتذكيرٌ لغيرنا من غير المسلمين
بحقيقة هذه الشخصية العظيمة التي لن تتكرر.
فاللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد
الرضى ولك الحمد على كل حال.. اللهم إنا نحمد ونشكرك أن جعلتنا من عبادك المسلمبن الموحدين،
وجعلتنا من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم... اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل
سيدنا إبراهيم، وبارك اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على
سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد... وارض اللهم
عن الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم إنَّا
نسألك الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قول وعمل ونعوذُ بك اللهم من النَّارِ وما قَرَّبَ
إليها من قولٍ وعمل ... اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض
عليك.
اللهم
وفق عاهل المغرب الملك محمد السادس إلى ما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة المصلحة التي
تعينه على ما كلفته به من أمور المسلمين وأَرِهِ الحق حقا وارزقه اتباعه وأَرِه
الباطل باطلا وارزقه اجتنابه، وشُدَّ أزره بولي عهده المولى الحسن وبأخيه المولى الرشيد.
اللهم اجعل بلدنا
هذا بلدًا رخاءً آمنًا من كل سوء وكيدٍ وكلَّ بلادِ المسلمين، وانصر اللهم الإسلام
والمسلمين في كل مكان يارب العالمين.
اللهم
أصلح أطفالنا
وشبابنا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وأساتذتنا وعلماءنا وقضاتنا وكلَّ من وليته أمرا
من أمور المسلمين واهدنا جميعا إلى طريق الخير والفلاح والصلاح.
اللهم
مَنْ
كان من الحاضرين له طلبٌ فاقْضِهِ له ..
ومن كان مريضا فاشْفِهِ .. ومن كان مبتلىً فَعَافِهِ .. ومن كان مدينًا فاقضِ عنه
دينه... اللهم ارحمْ موتانا وموتى المسلمين
وألحقنا بهم مسلمين موحدين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين...
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن
من الخاسرين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
وقِنا عذاب النار... سبحان
ربك رب
العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق